الافتتاحية

هل يعي العلمانيون دورهم في كنيسة العراق؟ (99)

 

هل يعي العلمانيون دورهم في كنيسة العراق؟ 

الأب ألبير هشام 

 

أعيدت على طاولة الحوار مسألة مشاركة العلمانيين في حياة الكنيسة، إذ قرر آباءُ السينودس الكلداني أن يشركوا علمانيين في مجمعهم لهذا العام الذي بدأ في أربيل / عنكاوا يوم 3 آب 2019 وخُتِم في 13 منه. إنها المرة الأولى التي يُدعى فيها علمانيون للمشاركة في أعمال السينودس، وكان لهذه الخطوة استعداداتها في الأبرشيات؛ ففي بغداد مثلاً اجتمعت البطريركية الكلدانية مع المجلس الأبرشي المتكوّن من علمانيين وأخذ آراءهم حول نقاطٍ عدّة تخصّ حياة الكنيسة اليوم. واشترك علمانيٌ واحد من كلّ أبرشية كلدانية في العالم في يومين من جلسات السينودس، وجاء الممثلون حاملين معهم آمالاً ومقترحات تعبّر عن رغبتهم المتّقدة في إحياء دورهم.

إنها أيام تعيدنا إلى زمن المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) الذي فجّر ثورة في دور العلمانيين في الكنيسة وسخّر كلّ الجهود في سبيل أن يدركوا مكانتهم في حياة الرسالة والتبشير، وخصوصًا في قرار "النشاط الرسولي" في رسالة العلمانيين الذي صدر في عهد البابا القديس بولس السادس.

كما تذكّرنا بالمؤتمر البطريركي العامّ للكنيسة الكلدانية عام 1995، الذي تمرّ هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين على انعقاده، وكانت أولى وثائقه عن "الإيمان ورسالة العلمانيين" (راجع مجلة نجم المشرق، العدد 15، السنة الرابعة / 3، 1998، ص282-284). وتذكر الوثيقة في النقطة الرابعة بعض واجبات العلمانيين في الكنيسة: "ويشارك المؤمنون العلمانيون في رسالة الكنيسة، ولهم فيها حقوق ووجبات. فعليهم أن يشهدوا للمسيح في حياتهم الخاصّة، العائلية، الاجتماعية، والعامّة، عاملين كالخميرة في سبيل تقديس العالم، مشعّين بالإيمان والرجاء والمحبة. ولهم حقّ المشاركة الفعلية في الاحتفالات الليتورجية، وفق ما يرسمه طقس كنيستنا، وأن يُنتدب المهيأون منهم للتعليم، ويُستشاروا كخبراء ومتخصصين ينضمّون في هيئات ومجالس ولجان تقتضيها مهام الكنيسة وخدمة الرعايا وإليهم تعود بخاصّة إدارة الشؤون الاجتماعية والزمنية، يقومون بها تحت إرشاد السلطة الكنسية" (نقطة 4).

وفي كنيسة العراق، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على اختتام المجمع الفاتيكاني الثاني، وربع قرن بالضبط على اختتام المؤتمر الكلداني العامّ، لا نسأل إن كان هناك دورٌ للعلمانيين، فالجواب إيجابي حتمًا، ولكن علينا أن نسأل إن كانوا يعون ويقيّمون دورهم الحقيقي اليوم! فالمسألة تكمن في ضرورة خلق وعي بهذا الدور، الذي لا غنى عنه، لدى الاكليروس والعلمانيين على حدّ سواء، فيأتي بثمار يانعة.

ماذا تغيّر؟

ماذا تغيّر في دور العلمانيين اليوم عن خمسٍ وعشرين عامًا مضت؟ علينا أولاً أن نحدّد التغيّرات التي سادت في هذا الربع الأخير لنرى تأثيراتها في دور العلمانيين في الكنيسة، لنقدّم بعدها بعض الرؤى لدورهم اليوم.

  1. أصبحنا اليوم قطيعًا صغيرًا (راجع لوقا 12/32) مقارنةً بأعدادنا في الماضي، مما خلق شعورًا من عدم الاستقرار لدى مؤمنينا، فأحتار أغلبيتهم بين البقاء والاستقرار في فوضى معقّدة أو اختيار الهجرة إلى مستقبلٍ صعب غير واضح الملامح! وبين قرار البقاء والرحيل، ترك البعضُ الكنيسة إلى أجلٍ غير مسمّى، إلى أن يستقرّ! بينما لا زال البعضُ الآخر ملتزمًا بنسبٍ مختلفة، الأمر الذي أثّر على التزام العلمانيين في الكنيسة.
  2. غيّبت الهجرة، ولا زالت، كثيرًا من العلمانيين الذين كانوا فعّالين وكفوءين في خورناتهم وأبرشياتهم، وما أن تحاول الكنيسة أن تعتمد على كوادر جديدة حتى تغادر هي أيضًا! وهذا أثّر كثيرًا في المسيرة الرعوية وأصبح من الصعب أحيانًا جني ثمار من نشاط أو فريق… في الرعية أو الأبرشية بسبب التغييرات الكثيرة في الكوادر العاملة فيها.   
  3. الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أغلبية عوائلنا، جعلت أفرادها، وخاصّة الشباب منهم، يبحثون عن عملٍ إضافي، فيقضون اليوم كلّه في العمل ولا يتركون مجالاً لحياة الكنيسة.
  4. روح اللامبالاة والانتقاد السلبي الذي ساد بين صفوف الناس، بتأثير الظروف الاجتماعية والسياسية وتقلبّاتها ولأسبابٍ أخرى، خلق عند البعض روح اللامبالاة تجاه الكنيسة وقرارتها بل جعل بعضهم ينتقد دون أن يفهم مجريات الأمور وحقيقتها.
  5. ضعف الثقافة المسيحية عند كثير من العلمانيين، واعتماد أغلبيتهم على ما تعلموه في التعليم المسيحي في الصغر، أثّر في فهم معنى الحياة المسيحية. صحيح أن ضعفًا كهذا نجده في كلّ وقت، ولكنّ قلّة العدد جعلتنا نشعر بهذا الضعف أكثر من ذي قبل.

 

نحو مشاركة علمانية فعّالة

فلنعد بالذاكرة مرة أخرى إلى المؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية، لنشير إلى بعض النقاط التي وضعها المؤتمر كتوجيهات في الوثيقة التي أشرنا إليها أعلاه. فالنقاط الأولى التي سطّرها المؤتمر تخصّ واجب الكنيسة تجاه العلمانيين: تجذير إيمانهم، التعمق في الكتاب المقدس وتعاليم تراثنا اللاهوتي المشرقي، تثقيف العائلة المسيحية دينيًا، ولا زال هذا الواجب مطلوبًا اليوم وفي كلّ وقت.

ولكن المؤتمر دعا العلمانيين لبناء الكنيسة "بمثالهم الصالح وشهادة حياتهم المسيحية وتكميل واجباتهم الدينية"، ولا زال المجال فعّالاً دائمًا أمام العلمانيين ليشهدوا لإيمانهم المسيحي وسط المجتمع على الرغم من كل التحديات والصعوبات. وهذا ما أكّد عليه صاحب الغبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو في طرحه لخطّة "راعوية عملية ومعاصرة ومناسبة لمؤمنينا في العراق" على اكليروس الكنيسة الكلدانية في العراق بتاريخ 2 حزيران 2018 بمناسبة رياضتهم الروحية العام الماضي، إذ ركّز غبطته على الشهادة المسيحية من خلال خدمة المحبة أي العمل الاجتماعي.

وشدد المؤتمر على ضرورة "توعية الاكليروس، على اختلاف درجاتهم، والرهبان والراهبات، بمكانة العلمانيين في الكنيسة وأهمية دورهم في حمل الرسالة الإنجيلية ونشرها وتوعية العلمانيين أنفسهم ليتعمقوا في معاني هويتهم المسيحية وأبعادها، وتنشئتهم ليتخذوا مكانتهم الحقيقية في جسد المسيح الواحد…". وهذا ما على الكنيسة فعله اليوم: حملات توعية لفهم رسالة الكنيسة وسط المتغيّرات الكثيرة التي حلّت بنا، فيتعلّم الجميع قراءة الأحداث بعيون الإيمان والكنيسة، ويفهمون معنى حياتهم المسيحية وسط هذه المتغيرات، من خلال ندوات ومحاضرات ولقاءات وحوارات مختلفة، ويشهدون لحياتهم فيتعلّمون كيف يعيشون إيمانهم وسط تقلبات الحياة، ولا ينتظرون الاستقرار ليعيشوا مسيحيتهم.

 

شهادة وتوعية

بدأنا بالشهادة المسيحية والتوعية وأنهينا بهما مقالنا، لأنهما وسيلتان مرتبطتان نستطيع من خلالهما إعادة تفعيل دور العلمانيين في كنيسة العراق اليوم. فيسأل كل مؤمن في الكنيسة: كيف أشهد للمسيح في وسط التغيرات المستمرة، التدهور الأمني والاقتصادي، الفوضى الداخلية والخارجية، هجرة عائلتي وأقربائي وأصدقائي، ضعف وضعف غيري،…؟ هل أعي دوري في الكنيسة على الرغم من الحواجز التي تعترضني؟ هل أصنع لي دورًا في الكنيسة وأحارب من أجل قضيته؟ فالحياة المسيحية اليوم تحتاج من المؤمن أن يشعل شمعة وسط الظلام الدامس المحيط بنا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى