القراءات الكتابية الطقسية

نيقوديمس بين التلمذة للمعلّم (93)

نيقوديمس بين التلمذة للمعلّم

الإلهي والتعلّق بالعالم

" سرّ الولادة الجديدة "

(يو 1:3-21)

الأب فادي نظير جورج

الأحد الخامس من الدنح 

   وكانَ في الفِرِّيسيِّينَ رَجُلٌ اسمُه نيقوديمُس وكانَ مِن رُؤَساءِ اليَهود. فجاءَ إِلى يَسوعَ ليلاً وقالَ له : ((رابي، نحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ جِئتَ مِن لَدُنِ اللهِ مُعَلِّمًا، فما مِن أَحَدٍ يَستَطيــعُ أَن يَأَتِيَ بِتِلكَ الآيـاتِ الَّتي تاتي بِها أَنتَ إِلاَّ إِذا كانَ اللهُ معَه)). فأَجابَهُ يسوع : ((الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكَ : ما مِن أَحَدٍ يُمكِنَه أَن يَرى مَلَكوتَ الله إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِن عَلُ)). قالَ لهُ نيقوديمُس : ((كَيفَ يُمكِنُ الإِنسانُ أَن يُولَدَ وهوَ شَيخٌ كبير ؟ أَيَستَطيعُ أَن يَعودَ إِلى بَطنِ أُمِّهِ ويُولَد ؟)) أَجابَ يسوع : ((الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ : ما مِن أَحَدٍ يُمكِنَه أَن يَدخُلَ مَلَكـوتَ الله إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِنَ الماءِ والرُّوح. فَمَولـودُ الجَسدِ يَكـونُ جَسـدًا ومَولـودُ الرُّوحِ يَكونُ روحًا. لا تَعْجَبْ مِن قَولي لَكَ : يَجِبُ علَيكم أَن تُولَدوا مِن عَلُ. فالرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء فتَسمَعُ صَوتَها ولكنَّكَ لا تَدْري مِن أَينَ تاتي وإِلى أَينَ تَذهَب. تِلكَ حاَلةُ كُلِّ مَولــودٍ لِلُّروح)). أَجابَه نيقـوديمُس : ((كيفَ يَكـونُ هـذا ؟)) أَجابَ يسوع : ((أَأَنتَ مُعلِّمٌ في إِسرائيل وتَجهَلُ هذِه الأَشْياء ؟ الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ : إنَّنا نتكلَّمُ بِما نَعلَم، ونَشهَدُ بِمَا رَأَينا ولكِنَّكُم لا تَقبَلونَ شَهادَتَنا. فإِذا كُنتُم لا تُؤمِنونَ عِندَما أُكَلِّمُكم في أُمورِ الأَرْض فكَيفَ تُؤمِنونَ إِذا كلَّمتُكُم في أُمورِ السَّماء ؟ فما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلاَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء وهو إبنُ الإِنسان. وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ إبنُ الإِنسان لِتَكونَ بهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ إبنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لأَنَّه لم يُؤمِنْ بِإسمِ إبنِ اللهِ الوَحيد. وإِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة. فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّور لِتُظهَرَ أَعمالُه وقَد صُنِعَت في الله)).

(يو 1:3-21)

موقع النصّ، والموضع الرئيس

لكي نتمكن من تحديد الحوار الذي حصل بين يسوع ونيقوديمس، يجب أن نربطه بالحوادث التي ذُكرت في آخر الفصل السابق، إذ صعد يسوع إلى أورشليم بمناسبة الفصح. والإنجيلي يوحنا يُخبرنا أنه " لمَّا كانَ في أُورَشَليمَ مُدَّةَ عيدِ الفِصْح، آمَنَ بِاسمِه كثيرٌ مِنَ النَّاس، لمَّا رَأَوا الآياتِ الَّتي أَتى بِها " (يو 23:2). وربط يوحنا كلامه بهذه الحادثة قائلاً : " وكان في الفريسيين رجل يُدعى نيقوديمس، وكان من أركان مجلس اليهـود فجــاء ليلاً إلى يســوع ". من هـذا تبيّن أن نيقوديمس هـو واحد مـن هؤلاء " الكثيرين " الذين آمنوا بيسوع، بفضل الآيات التي أتى بها. ولكن هذا الإيمان مقتصر على المظهر الخارجي للأشياء، ولا يوحي بثقة ليسوع.

ودخول نيقوديمس في الحديث يؤكد هذا التأويل. فقال نيقوديمس ليسوع : " رابي، نحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ جِئتَ مِن لَدُنِ اللهِ مُعَلِّمًا، فما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن ياتي بِتِلكَ الآياتِ، إِلاَّ إِذا كانَ اللهُ معَه " (يو 2:3).. فكان جواب يسوع قاطعًا : إنه لا يكتفي بهذا الإيمان الناقص، بل يطلب المزيد. وهكذا ينكشف لنا موضوع الحوار، وهو الولادة الروحيّة بالإيمان الحقيقي بشخص المسيح.

بُنية النص (1:3-21)

* 3-1:3 : الرواية من وجهة نظر خارجيّة تُبيّن مجيء نيقوديمس ليلاً.

* 10-3:3 : حوار مباشر بين الشخصيّات، دون تدخل من الراوي، الذي نأى بنفسه سامحًا لهما بتبادل الحديث : نيقوديمس لا يفهم، ويسوع يحاول أن يجعله مُدركًا لنقاط الحوار الجوهريّة.

* 21-11:3 : مونولوج ليسوع، دون ذكر لأي ردود من قبل نيقوديمس والراوي ؛ فبين انعدام إمكانيّة الردّ وصمت نيقوديمس، يُعلن يسوع لنيقوديمس، ومن خلاله لكل إنسان، حقيقة واحدة لا تقبل المساومة : الإيمان باسمه، وبالتالي، السير معه في النور، الذي يؤدي بالإنسان إلى الخلاص الأبدي، أو عدم الإيمان به، وبالتالي، السير في الظلمة التي تؤدي بالإنسان إلى الهلاك الأبدي.

لذا نستنتج من هذا أن الحوار وصل إلى خاتمة تُشوّق القارئ إلى معرفة موقف نيقوديمس من هذه الطروحات، وبخاصة أن هذا الصمت لا يقول لنا أي ردّ فعل له على وحي يسوع. سيكون لدى القارئ، بالتالي، المزيد من تسليط الأضواء على هذه الشخصيّة في يو 50:7-51 وخاصة في 39:19.. حيث واصل مسيرته نحو الإيمان.. ففي هذه الأثناء، لن يقف القارئ اليوحناوي مكتوف الأيدي، بل سيكون قادرًا، في الحقيقة، على تقديـر أهميّة الوحي المسيحاني، الذي يدعوه إلى اتخاذ قرار الإيمان : " وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّور " (21:3).

شخصيّة نيقوديمس

كان نيقوديمس عضوًا في جماعة الفريسيّين، التي تحتضن بداخلها الكثير من الذين يدّعون بأنهم من أتقياء اليهود.. شخصيته جليلة ومكانته رفيعة ؛ رئيس من رؤساء اليهود ؛ عضو في مجلس السنهـدريم، أعلى محكمة قضائيّة يهوديّة ؛ وهـو أخيرًا " معلّم في إسرائيل " أي مفسّر للشريعة اليهوديّة. إن كل هذه الألقاب والمعطيات تُشير إلى أن نيقوديمس لا يبحث عن " مخلّص روحي "، بل عن " محرر زمني " ؛ لا يبحث عن " خلاص شخصي " من الخطيئة والفساد والمـوت الأبـدي، بـل عن " تحرير قومي " من عبوديّة الرومان. يجب عليه، بحسب الوعود التوراتيّة، أن يبحث عن " المسيّا " المتحدّر من بيت لحم وليس من الناصرة ؛ لا في شخص جليلي غريب وغامض، بل في شخص معروف هو سليل العائلة الملكيّة الداوديّة. إلا أن نيقوديمس توصّل إلى استنتاج مفاده أن هذا الشاب الناصري مُرسل بتكليف إلهي، وقد أعرب عن رغبته في الحصول على محادثة خاصة معه. من المرجّح أن خوفًا كيانيًا سواء من زملائه في مجلس السنهدريم، أو من الحكومة الرومانيّة، حال دون حدوث هذا اللقاء علانيّة، على مرأى من الجميع، ووفقًا لذلك عُقد لقاء ليلي بعيد كل البُعد عن الأنظار.

عوضًا عن أن يسمح له بالإفصاح عن هدف زيارته، أجاب يسوع، الذي يعلم ما في الإنسان، وغالبًا ما يُجيب عن أفكار البشر بدلاً من أقوالهم، بأسلوب أظهر أنه كان على بيّنة مما كان يجول في خاطر زائره. أكد لنيقوديمس أنه كان مخطئًا تمامًا بتقدير الموضوع الذي كان آتيًا لمناقشته. بدون ملاحظة أي تغيير جذري في طريقة تفكيره ومسلكيّته وتوقّعاته، لن يستطيع نيقوديمس أن يكون مشاركًا في الامتيازات التي ستنشأ عن النظام الجديد الذي يؤسسه المسيح، ولا حتى إدراك طبيعته، " إن لم يولد من فوق ".

تصميم الحوار

إنه من الأهمية بمكان أن نحدّد تصميم الحوار، فالحوار يتدّرج في مراحل ثلاث متشابهة البنية، يبرز الجوهري فيها، كل مرة، بعبارة : " الحق الحق أقول لك " (11،5،3:3).

* المرحلة الأولى : 1:3-3. جاء نيقـوديمس إلى يسـوع، وأدى احتـرامًا إلى " معلّم آتٍ من الله، والله معه ". فأجابه يسوع بأن " ما من أحد يمكنه أن يرى ملكوت الله، إلا إذا وُلد من علُ ". فهذه أول عبارة وحي، تُثير نيقوديمس : " كيف يستطيع الإنسان أن يولد وهو شيخ مسن ؟ ".

* المرحلة الثانيّة : 3:3-10. رأى نيقوديمس أن كلام يسوع مُحال : أتقضي الولادة الجديدة بالرجوع إلى أحشاء الوالدة ؟ فأجاب يسوع : بأن الولادة التي يعنيها، هي ولادة من " الماء والروح ". وكلمة الوحي هذه، توضّح السابقة، ولكنها هي أيضًا تحتاج إلى تفسير. لذلك يكمل يسوع : " فمولود الجسد يكون جسدًا، ومولود الروح يكون روحًا. لا تعجب من قولي لك : يجب عليكم أن تُولدوا من عَلُ.. ". وجواب نيقوديمس يدل على أنه لم يتقدم في فهم السرّ. " كيف يكون هذا ؟ ". فتعجب يسوع من صعوبة الفهم التي يصادفها.

* المرحلة الثالثة : 11:3-21. في هذه المرحلة يسوع يتكلم وحده. إنه يكشف لنيقوديمس سرّ إبن الإنسان " المرفوع "، سرّ إبن الله الواحد، الذي أرسله الآب لخلاص العالم.. إنها ثالث كلمات الوحي. وهي تعمّق الإثنتين السابقتين وتقترح الإيمان الحقيقي كطريق وحيد لبلوغ الحياة.

فمكث نيقوديمس صامتًا. وانتهى الحوار فجأة إلى كلام يسوع، كما تنتهي حوارات كثيرة في الإنجيل الرابع. إذ يختفي المحاور عن الحلبة، بدون أن يقول شيئًا. والمهم في نظر يوحنا الإنجيلي هو كلمة المسيح التي تكشف سرّه، أكثر من نفسية نيقوديمس أو أي محاور آخر. لذلك، حالما يصل إلى قمة من الكشف يترك يوحنا قارئه، متحاشيًا كل ما يصرفه عن كلمة المسيح. فالقارئ يجب أن يحصل على النور والحياة من خلال الكلمة وحدها.

شرح النصّ

هدف النص واضح وهو أن يُظهر المسيح المعترف به في ملء حقيقة سرّه، هو وحده الذي يفتح للإنسان طريق الخلاص، وأن يُظهر أيضًا أن الإنسان لا يبلغ هذا السرّ إلا بنعمة تجديد جذريّة. ونيقوديمس يظن القضيّة سهلة… يتصوّر أنّه يعرف مفتاح ملكوت الله، ويملكه بفضل الشريعة. فيستطيع دخوله بسهولة مع جماعته. وإذا جاء إلى يسوع فذلك أنهم رأوا فيه، من خلال آياته، معلمًا كفوءًا : " نحن نعلم أنك جئت من لدن الله ". إنه يقصد أن يسأله عن الشريعة وأن يناقشه. فبدد له يسوع كل أوهامه. فأحس نيقوديمس بأنه في حضرة شخص أكبر من " رابي " : إن الذي يكلّمه يحمل في ذاته سرًا " من عَلُ "، لا يكشفه إلا نور " من عَلُ ". ونعمة هذا النور تفترض " ولادة من عَلُ ". والماء والروح هما قوامها.

يرمز الماء إلى العماد، سرّ الولادة الجديدة، والروح يرمز إلى الروح القدس الذي يولّد الإيمان في قلب المعمّد حديثًا، وينميه مدى حياته المسيحيّة. فالإثنان ضروريان لتجديد الإنسان. ورتبة العماد لا تفعل بصورة سحريّة، أو آليّة… يجب على المعمّد أو على الجماعة العائليّة إذا كان المعمّد طفلاً، أن يُشارك إيمانيًا، ويلتزم في عمل الله، الذي يجعل منه كائنًا جديدًا. والروح وحده يملك القدرة على خلق هذا الإيمان وأن يفتح عيون الإنسان على النور العلوي.

والسبب في ذلك هو أن " مولود الجسد يكون جسدًا " وبالمعنى الكتابي، خليقة سريعة العطب زائلة تنتهي إلى الموت، كسائر مخلوقات العالم السفلي الذي ينتمي إليه. في حين أن سرّ المسيح هو سرّ الله الذي هو روح، أي الحياة بذاتها، ومبدأ كل حيـاة (تكو 7:2). وهـوّة كبيـرة تفصل بيـن الخليقة – الجسد، وبين الله – الروح (إش 3:31)، يستحيل اجتيازها ما لم يأتِ الله بروحه لنجدة الخليقة – الجسد، ويجددها تجـديدًا كاملاً، ويـرفعها إلى مستـوى الروح… فيصل الإنسان الجسـدي إلى عالم جديد : كان جسديًا فجُعِلَ روحيًا، لأن مولود الروح يكون روحًا.

هذا هو سرّ المسيح، يأتي من عَلُ، فيدعو الإنسان الجسد لأن يحقق الدعوة إلى الروح الذي يفوقه من كل ناحية. وهذه الدعوة أساسيّة للإنسان، ومع ذلك فهو لا يعرفها إلا إذا كشفها له المسيح (31:3)، ولا يحققها إلا بنعمة الروح. وعليه أن يقبل هذا التناقض، فيُحقق ذاته، فوق ذاته، وفي حالة لا يستطيع هو أن يوفرها لنفسه ولا يوفرها له أي مخلوق آخر. خليقة، مولود من الخليقة، مدعو لأن يُشارك في حياة الله.. لأن يُشارك فيما لا تلده أحشاء الأم. جسد وعليه أن يصبح روحًا. أجاب نيقوديمس متعجبًا : " فكيف يكون هذا ؟ " إننا نفهم قلق " المعلّم في إسرائيل ".

إن يسوع يقرّ بذلك : إن ذلك لسرّ يفوق إدراك البشر. ومع ذلك فلا يشك بحقيقته. فالتشبيه يبرهن عنه : " إن الريح تهب حيث تشاء فتسمع هزيزها، ولا تدري من أين تأتي وإلى أين تذهب. تلك حالة مولود الروح " (راجع سفر الجامعة 5:11). إن تجديد الإنسان بروح الله هو أكثر غموضًا، وأقل إدراكًا من هبوب الريح، ولكنه ليس أقل منه حقيقة، إذ إنه يُعرف من خلال نتائجه. والمسيحي الحقيقي هو لغز للعالم، الذي لا يعرف بالحقيقة عنه، كما لا يعرف عن المسيح " لا من أين يأتي ولا إلى أين يذهب " (متى 27:11). إنه هنا حاضر في العالم، وليس من العالم، إنه جسد، ومع ذلك روح.

تعجّب يسوع من كون " المعلّم في إسرائيل " يجهل هذا السرّ، في حين أن قراءة الكتب المقدسة يجب أن تكون قد هيأته لذلك. فالعهد القديم يتنبأ في أكثر من مقطع عن تجديد الإنسان بروح الله. وحزقيال كان يعد الإنسان بقلب جديد وروح جديد من صنـع روح الله : " وأعطيكـم قلبًا جديـدًا، وأجعـل فــي أحشــائـكـم روحًا جديـدًا " (حز 26:36).

جدّة العهد الجديد تقوم في ربط سرّ تجديد الإنسان بسرّ المسيح، أي بمجيء إبن الله إلى هذا العالم، وارتفاعه على الصليب : وكما رفع موسى الحيّة في الصحراء (العدد 4:21)، هكذا يجب أن يُرفع إبن الإنسان لكي تكون الحياة الأبديّة لكل من يؤمن به. وكما يظهر في المقدمة، يوحنا يلعب على معنى " رفع " : رُفع الصليب، ورُفع في المجد. والأثنان يلتقيان في سرّ الخلاص الواحد : فالمسيح الذي رُفع على الصليب، وفي المجد الذي كان يتمتع بالقرب من أبيه من قَبل إنشاء العالم (5:17)، يفتح للبشر أبواب الخلاص : يهبهم حياته بالذات، ومجده كقائم من الموت.

الخلاصة

يمثل نيقوديمس المؤمنين الذين ينبهرون أمام الأحداث الغريبة ويترجّون التنوير من صانعيها. إنه صورة الإنسان المنطقي المتعلّق بالفكر البشري الأرضي. لكن يوحنا يرى فيه الإنسان الذي يبحث " أتى إلى يسوع ". أتى نيقوديمس، الذي يعرف الكتب والدين، إلى يسوع، لكنه أتى ليلاً " خوفًا من اليهود "، ويوضّح يوحنا (38:19). من جهة ثانية، هو إنسان شجاع بما أنه أتى من الظلمة إلى النور. أتى يبحث عن النور لأنه لم يكن قد عرف أن يسوع هو نور العالم.

ونحن، هل أكتفينا بما نعرف ؟ أم لنا الجرأة للبحث الدائم عن إيمان أعمق، وعلاقة أوثق بالرب يسوع حتّى في خضم الظلمات التي نتخبّط فيها ؟ش

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى