الافتتاحية
نقيض الرحمة العدد (86)
نقيض الرحمة
الغني المجهول ولعازر الفقير (لوقا 19:16-31)
إننا نثمّن أَمرًا قيمًا حينما نفقده، أو إذا ما أُستبدل بنقيضه، لذا نحتاج أحيانًا التطلع إلى الشر لنتعرف على الخير.
كيف نقيّم الرحمة ؟ إننا نقيّم الرحمة حينما نقارنها بنقيضها من مواقف الأنانية.
إن مثل الغني ولعازر الفقير يكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء، حينما نتأمل بموقف الغني من لعازر الفقير، وذلك في المثل الآتي الذي ضربه يسوع :
” كان رجلٌ غنيٌّ يلبسُ الأرجوان والكتان الناعم، ويتنعّمُ كل يومٍ تنعمًا فاخرًا. وكان رجلٌ فقير آسمه لعازر مُلقىً عند بابه قد غطّت القروحُ جسمه. وكان يشتهي أن يَشَبعَ مِن فتاتِ مائدة الغني. غير أَنّ الكلابَ كانت تأتي فتلحسُ قروحَهُ.
وماتَ الفقيرُ فحملته الملائكةُ إلى حضن إبراهيم. ثم مات الغنيُّ ودُفنَ. فرفَعَ عينيه وهو في مَثوى الأموات يُقاسي العذاب، فرأَى إِبراهيمَ عن بُعدٍ ولعازرَ في أَحضانه فنادى : يا أَبتِ إبراهيم آرحمني فأرسلْ لعازر ليَبُلَّ طرفَ إِصبعِه في الماء ويبرد لساني، فإني معذبٌ في هذا اللهيب. فقال إبراهيم : يا بُنيَّ، تذكَّرْ أَنك نِلتَ خيراتكَ في حياتك، ونالَ لعازر البلايا. أما اليوم فهو ههنا يُعزَّى وأَنتَ تُعذَّب. ومع هذا كلّه، فبيننا وبينكم أُقيمت هوَّةٌ عميقة، لكيلا يستطيعَ الذين يريدون الإجتيازَ مِن هنا إليكم إن فعلوا ولكيلا يُعبرَ من هناك إِلينا.
فقالَ : أَسألك إِذًا يا أَبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة. فلينذرهم لئلاَّ يصيروا هُم أَيضًا إلى مكان العذاب هذا. فقال إبراهيم : عندهم موسى والأنبياء، فليستمعوا إليهم. فقال : لا يا أَبتِ إبراهيم، ولكن إذا مضَى إليهم واحدٌ من الأموات يتوبون. فقال له : إِن لم يستمعوا إلى موسى والأنبياء، لا يقتنعوا ولو قام واحدٌ من الأموات ” (لوقا 19:16-31)
نقيض الرحمة
منذُ بداية سرد المثل تظهر التناقضات بين الأنانية وبين الرحمة.
الغني يلبسُ ثيابًا ملكية، ولكن لا يذكرون له إسمًا، والفقير تغطيه القروح، ولا يكسونه بثياب، إلاّ أنه يحمل إسمًا بليغًا : ” لعازر “، أي ” الله يعين “، إنه إسمٌ يناسب الفقير، إذ يأتيه العون كله من الله.
كان الغني يتنعم كل يومٍ تنعمًا فاخرًا، وقد فُرِشت أمامه أنواع كثيرة من المأكولات، أما لعازر، فكان يشتهي أن يشبع من فتات مائدة الغني، ولكن الغني لم يترحم عليه، ولم يعطه من الفتات ما يشبع جوعه.
تنقلب الآية في الحياة الخالدة، فحينما يموت الفقير تنقله الملائكة إلى الجنة، إلى حضن أبينا إبراهيم إلى السعادة الأبدية. ويموت الغني فيُنقله إلى الجحيم، إلى موضع العذاب الأبدي.
خلال الحياة الأرضية لم يرحم الغني لعازر الفقير، إذ لم يشبع جوعه حتى ولا بالفتات الذي يقع من مائدته. وفي الحياة الخالدة توسل الغني من أبينا إبراهيم أن يرسل لعازر، بعدما يبلّ أصبعه بالماء، ويبرد لسانه، ولكنه حرم من مبتغاه، من حاجته اليسيرة، من نقطه ماء.
التفاوت بين الزمن والأبدية كبير : في الزمن يسود الصمت، وفي الأبدية الحوار.
في الأبدية لم يتمكن الغني من الحصول على طلباته الثلاث : نقطة ماء ليبرد (لسانه)، إرسال لعازر لينذر أخوته الخمسة، إرسال أحد الموتى ليشهد لأوضاع الحياة الخالدة.
الرحمة غير المستجابة
إن أعمال الرحمة في حياة الدنيا يستجيب الله لفاعليها، مثال ذلك : مثل الأرملة والقاضي الظالـم (لوقا 1:18-8) ومثـل الفريسي والجابي أثنـاء صلاتهما في الهيكل (لوقا 9:18-14)، ومثل المدينين العاجزين عن وفاء دينهما (لوقا 41:7-43) ومثل الإبن الضال (لوقا 11:15-32)
تنقل هذه الأمثلة فكرنا إلى أمثلة أخرى تبرز رحمة المرء إزاء المحتاج. كمثل السامري الرحوم، الذي رأى رجلاً مسافرًا هجم عليه اللصوص وأثخنوا جراحاته، فمـر بـه كاهن، فمـال عنه ومضى، وكذلك لاويٌ وصـل المكان، فرآه ومال عنه ومضى. وأخيرًا وصل إليه سامري فتحنن عليه، فدنا منه وضمد جراحاته ثم حمله ونقله إلى الفندق… إلخ (لوقا 22:10-30).
إن هذا السامري الصالح يمثل الله، فطالما المرء يعيش في هذه الدنيا، فالرحمة ممكنة، ولكن حينما ينتقل الإنسان إلى الحياة الأخرى، لم تعد الحالة ممكن إصلاحها، إنها ممكنة إلى يوم وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
أما في الحياة الأبدية، فإن مصير المرء يكون قد تقرر إلى الأبد فلن ينال الرحمة التي لم يمنحها للآخرين، ويطلبها بعدما إنتقل إلى الآخرة.
” لأني جعتُ فما أَطعمتموني ” (متى 42:25)
إن مصير الإنسان ليس مرتبطًا بحالته الإقتصادية، لم ينتقل لعازر إلى الجنة بسبب فقره، ولم ينحدر الغني إلى الجحيم بسبب غناه.
إن المقدرة على الشعور بالرحمة أو إهمال أعمال الرحمة هما اللذان يحددان مصير الإنسان.
ففي مثل ” الدينونة العظمى “، يبارك إبن الإنسان الذين أَطعموا الجياع وسقوا العطاش وأووا الغرباء وكسوا العريان وزاروا المرضى والسجناء، فيقول لهم ” كلما صنعتم شيئًا من ذلك لهؤلاء أخوتي الصغار فلي صنعتموه ” (متى 35:25-40).
وفي القسم الثاني من مثل ” الدينونة العظمى ” يلعن يسوع الذين أهملوا أعمال الرحمة، والسبب في ذلك ” لأني جعتُ فما أطعمتموني… إلخ ” ” إيما مرة لم تصنعوا ذلك لواحد من هؤلاء الصغار فلم تصنعوه لي… ” (متى 41:25-46)
إن المبدأ الذي إعتمده يسوع لمكافأة الصالحين ومعاقبة المتهاونين، ينطبق على مثل لعازر الفقير. كان لعازر جائعًا فلم يعطه الغني حتى الفتات الذي كان يسقط من مائدته، كان لعازر مريضًا فلم يزره، كان لعازر عريانًا ولم يلبسه الغني ثيابًا، إن أعمال الرحمة المذكورة في مثل ” الدينونة العظمى ” لم تطبق للعازر، فلقد تجاهله الغني في هذه الدنيا، ولكنه ألزم أن يعترف به في الأبدية.
إن مثل الغني ولعازر نجده في كل زمان ومكان، فالسعادة مرتبطة بموقف الرحمة والتعاسة مرتبطة بموقف الأنانية الذي يتخذه المرء تجاه الآخرين.
الغني المجهول ولعازر الفقير (لوقا 19:16-31)
إننا نثمّن أَمرًا قيمًا حينما نفقده، أو إذا ما أُستبدل بنقيضه، لذا نحتاج أحيانًا التطلع إلى الشر لنتعرف على الخير.
كيف نقيّم الرحمة ؟ إننا نقيّم الرحمة حينما نقارنها بنقيضها من مواقف الأنانية.
إن مثل الغني ولعازر الفقير يكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء، حينما نتأمل بموقف الغني من لعازر الفقير، وذلك في المثل الآتي الذي ضربه يسوع :
” كان رجلٌ غنيٌّ يلبسُ الأرجوان والكتان الناعم، ويتنعّمُ كل يومٍ تنعمًا فاخرًا. وكان رجلٌ فقير آسمه لعازر مُلقىً عند بابه قد غطّت القروحُ جسمه. وكان يشتهي أن يَشَبعَ مِن فتاتِ مائدة الغني. غير أَنّ الكلابَ كانت تأتي فتلحسُ قروحَهُ.
وماتَ الفقيرُ فحملته الملائكةُ إلى حضن إبراهيم. ثم مات الغنيُّ ودُفنَ. فرفَعَ عينيه وهو في مَثوى الأموات يُقاسي العذاب، فرأَى إِبراهيمَ عن بُعدٍ ولعازرَ في أَحضانه فنادى : يا أَبتِ إبراهيم آرحمني فأرسلْ لعازر ليَبُلَّ طرفَ إِصبعِه في الماء ويبرد لساني، فإني معذبٌ في هذا اللهيب. فقال إبراهيم : يا بُنيَّ، تذكَّرْ أَنك نِلتَ خيراتكَ في حياتك، ونالَ لعازر البلايا. أما اليوم فهو ههنا يُعزَّى وأَنتَ تُعذَّب. ومع هذا كلّه، فبيننا وبينكم أُقيمت هوَّةٌ عميقة، لكيلا يستطيعَ الذين يريدون الإجتيازَ مِن هنا إليكم إن فعلوا ولكيلا يُعبرَ من هناك إِلينا.
فقالَ : أَسألك إِذًا يا أَبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة. فلينذرهم لئلاَّ يصيروا هُم أَيضًا إلى مكان العذاب هذا. فقال إبراهيم : عندهم موسى والأنبياء، فليستمعوا إليهم. فقال : لا يا أَبتِ إبراهيم، ولكن إذا مضَى إليهم واحدٌ من الأموات يتوبون. فقال له : إِن لم يستمعوا إلى موسى والأنبياء، لا يقتنعوا ولو قام واحدٌ من الأموات ” (لوقا 19:16-31)
نقيض الرحمة
منذُ بداية سرد المثل تظهر التناقضات بين الأنانية وبين الرحمة.
الغني يلبسُ ثيابًا ملكية، ولكن لا يذكرون له إسمًا، والفقير تغطيه القروح، ولا يكسونه بثياب، إلاّ أنه يحمل إسمًا بليغًا : ” لعازر “، أي ” الله يعين “، إنه إسمٌ يناسب الفقير، إذ يأتيه العون كله من الله.
كان الغني يتنعم كل يومٍ تنعمًا فاخرًا، وقد فُرِشت أمامه أنواع كثيرة من المأكولات، أما لعازر، فكان يشتهي أن يشبع من فتات مائدة الغني، ولكن الغني لم يترحم عليه، ولم يعطه من الفتات ما يشبع جوعه.
تنقلب الآية في الحياة الخالدة، فحينما يموت الفقير تنقله الملائكة إلى الجنة، إلى حضن أبينا إبراهيم إلى السعادة الأبدية. ويموت الغني فيُنقله إلى الجحيم، إلى موضع العذاب الأبدي.
خلال الحياة الأرضية لم يرحم الغني لعازر الفقير، إذ لم يشبع جوعه حتى ولا بالفتات الذي يقع من مائدته. وفي الحياة الخالدة توسل الغني من أبينا إبراهيم أن يرسل لعازر، بعدما يبلّ أصبعه بالماء، ويبرد لسانه، ولكنه حرم من مبتغاه، من حاجته اليسيرة، من نقطه ماء.
التفاوت بين الزمن والأبدية كبير : في الزمن يسود الصمت، وفي الأبدية الحوار.
في الأبدية لم يتمكن الغني من الحصول على طلباته الثلاث : نقطة ماء ليبرد (لسانه)، إرسال لعازر لينذر أخوته الخمسة، إرسال أحد الموتى ليشهد لأوضاع الحياة الخالدة.
الرحمة غير المستجابة
إن أعمال الرحمة في حياة الدنيا يستجيب الله لفاعليها، مثال ذلك : مثل الأرملة والقاضي الظالـم (لوقا 1:18-8) ومثـل الفريسي والجابي أثنـاء صلاتهما في الهيكل (لوقا 9:18-14)، ومثل المدينين العاجزين عن وفاء دينهما (لوقا 41:7-43) ومثل الإبن الضال (لوقا 11:15-32)
تنقل هذه الأمثلة فكرنا إلى أمثلة أخرى تبرز رحمة المرء إزاء المحتاج. كمثل السامري الرحوم، الذي رأى رجلاً مسافرًا هجم عليه اللصوص وأثخنوا جراحاته، فمـر بـه كاهن، فمـال عنه ومضى، وكذلك لاويٌ وصـل المكان، فرآه ومال عنه ومضى. وأخيرًا وصل إليه سامري فتحنن عليه، فدنا منه وضمد جراحاته ثم حمله ونقله إلى الفندق… إلخ (لوقا 22:10-30).
إن هذا السامري الصالح يمثل الله، فطالما المرء يعيش في هذه الدنيا، فالرحمة ممكنة، ولكن حينما ينتقل الإنسان إلى الحياة الأخرى، لم تعد الحالة ممكن إصلاحها، إنها ممكنة إلى يوم وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
أما في الحياة الأبدية، فإن مصير المرء يكون قد تقرر إلى الأبد فلن ينال الرحمة التي لم يمنحها للآخرين، ويطلبها بعدما إنتقل إلى الآخرة.
” لأني جعتُ فما أَطعمتموني ” (متى 42:25)
إن مصير الإنسان ليس مرتبطًا بحالته الإقتصادية، لم ينتقل لعازر إلى الجنة بسبب فقره، ولم ينحدر الغني إلى الجحيم بسبب غناه.
إن المقدرة على الشعور بالرحمة أو إهمال أعمال الرحمة هما اللذان يحددان مصير الإنسان.
ففي مثل ” الدينونة العظمى “، يبارك إبن الإنسان الذين أَطعموا الجياع وسقوا العطاش وأووا الغرباء وكسوا العريان وزاروا المرضى والسجناء، فيقول لهم ” كلما صنعتم شيئًا من ذلك لهؤلاء أخوتي الصغار فلي صنعتموه ” (متى 35:25-40).
وفي القسم الثاني من مثل ” الدينونة العظمى ” يلعن يسوع الذين أهملوا أعمال الرحمة، والسبب في ذلك ” لأني جعتُ فما أطعمتموني… إلخ ” ” إيما مرة لم تصنعوا ذلك لواحد من هؤلاء الصغار فلم تصنعوه لي… ” (متى 41:25-46)
إن المبدأ الذي إعتمده يسوع لمكافأة الصالحين ومعاقبة المتهاونين، ينطبق على مثل لعازر الفقير. كان لعازر جائعًا فلم يعطه الغني حتى الفتات الذي كان يسقط من مائدته، كان لعازر مريضًا فلم يزره، كان لعازر عريانًا ولم يلبسه الغني ثيابًا، إن أعمال الرحمة المذكورة في مثل ” الدينونة العظمى ” لم تطبق للعازر، فلقد تجاهله الغني في هذه الدنيا، ولكنه ألزم أن يعترف به في الأبدية.
إن مثل الغني ولعازر نجده في كل زمان ومكان، فالسعادة مرتبطة بموقف الرحمة والتعاسة مرتبطة بموقف الأنانية الذي يتخذه المرء تجاه الآخرين.