نشيد عبد الله (43)
(القراءة الأولى)
الاب باسل سليم يلدو
هُوذا عبـدي يعمَلُ بالحـزْمِ ويتعالى ويرتفعُ ويتسـامى جدًا. كما أنَّ كثيرين سيَدهَشُون منـهُ هكذا يتشوَّهُ منظرُهُ أكثر من الإنسـان وصورتُهُ أكثرَ من بني البشـر. هذا يُطهِّرُ أُممًا كثيرةً وعليه يسُـدُّ الملوكُ أفواههُم لأنّهم رأوا ما لم يُخبَروا بهِ وفهِموا ما لم يسمَعوا به.
(اشعيا 13/52-15)
من آمنَ بما سـمِع مِنَّا ولمـن أُعلِنت ذِراعُ الربّ. نَبتَ كفـرخٍ قُدّامَهُ وكجُرثُومةٍ من أرضٍ عَطْشى لم يكُنْ لهُ منظَرٌ ولا بهاءٌ وإذْ رأيناهُ أنْ لا منظَرَ لَهُ أنكَرْناهُ. مُهانٌ ومخذُولٌ مِنَ الناس رجُـلُ أوجاعٍ وخبيرٌ بالآلام. صَرَفْنا وُجُوهَنا عنهُ وازدريناهُ فلم نَعْبأ بهِ. يقينًا هو أخذ آلامَنا. وأوجاعَنا هو حمَلها ونحنُ حسِبناهُ معتُوهًا ومضروبًا من الله ومُذلَّلاً. هو يُقتَلُ لأجل خطايانا ويُذلَّلُ لأجل آثامِنا. تأْديبُ سـلامِنا عليهِ وبجراحِهِ نُشْفَى. جميعُنا كالغَنَم ضَلَلْنا كلُّ واحدٍ مِنّا مال إلى جانبهِ فألقى الرب عليه خطايا جميعِنا. تقدَّم وتذلَّلَ ولم يفتَحْ فاهُ كحمَلٍ سِيق إلى الذّبحِ وكنَعْجةٍ أمامَ الجَزّارِ كان صامتًا ولم يفتَحْ فاهُ. من الحَبْـسِ والقضاءِ أُخِذ وجيلُهُ من يصِفُـهُ لأنّهُ انقطَع من أرضِ الأحياءِ ولأجلِ أثمة شعبي دَنَوا إليه. أعطي المنافِقُ قبرَهُ والغنيُّ في موتِـهِ على أنّهُ لم يصنَعْ إثمًا وليـس غِشٌ في فمِهِ. والربُّ شاءَ ان يُواضِعَهُ ويُؤلِّمهُ. جعَل نفسَهُ ذبيحةَ إثمٍ ليرى ذُرِّيةً وتطولَ أيَّامُهُ ومَرضاةُ الربِّ تنجَحُ على يدِهِ. ومن عناء نفسِهِ يرى ويُشْبِعُ بالعِلمِ ويبرِّرُ الصِدّيقين. هو عبدٌ لكثيرين وهُوَ يحمِلُ خطاياهم. فلذلك أجعـلُ لهُ نصيبًا في كثيرين وللأعـزّاء يَقْسِمُ الغنيمـةَ لأنه ألقى إلى الموتِ نفسَـهُ. ومع الأثمة أُحصي وهو حمَلَ خطايا كثيرين ولاقى الأثمَةَ.
(اشعيا 1/53-12)
. الإطار التاريخي الذي ورد فيه نص (اشعيا 13/52-12/53)
ينسب هذا النشـيد (نشـيد العبد المتألم) إلى اشعيا الثاني (اش 40-55) الذي يدعى بالنبي المجهول في منتصف القرن السادس ق.م.، حيثُ بشر اليهود بإنتهاء الجلاء والعـودة إلى أورشليم. ولقـد وُضعـت نبوءاتُهُ بعد نبـوءات اشـعيا، كونه وريثـه الروحـي حيث يعبّـر باسـلوب نابـض بالحيويـة والإندفـاع معلنًـا اقتراب الخلاص.
2. التحليل الكتابي – البيبلي
يبدو هذا النشيد في شكل حوار : يقول الرب قولاً (اش 13/52-15)، ثم يتكلم الملوك أو الشعوب (اش 1/53-10)، لوصف آلام العبـد وربما للإعتـذار من عدم فهم معناها.
ففي (الفصل 13/52-15) يعلن الله عن ارتفاع عبـده الذي كان قـد أُذِلَّ وتألم، أما (الفصـل 1/53-6) ففيه تعبّـر الجموع عـن دهشـتها ازاء هذا الارتفـاع. ثم يواصل النبي في الآيات اللاحقـة (7-10) تأملهُ في تواضع العبـد وصبرهِ. وفي (الآيتين 11-12) يؤكد الله أن العبد سيلقي الحظوة بعد الألم.
ان جماعة المؤمنين هي التي تتكلم وتنبئ بمصيـر العبد. وهذا تصريـح جديد يكاد لا يصدق. ولكن الدهشة وعدم التفهم في أول الأمر سيليهما تفهم أعمق، وذلك لأن تلك الآلام لا هدف لها سوى خلاص جماعة كبيرة من الناس (الآيتين 11-12).
في (اش 7/53) يقول : ” عومِلَ بقسوةٍ فتواضع ولم يفتح فاهُ، كحملٍ سيقَ إلى الذبح، كنعجـة صامتةٍ أمام الذين يجّزونهـا ولم يفتح فاهُ “. يرجـح ان يوحنـا المعمذان لمح إلى هذه الآية، بعـد ان وحد بينها وبين الآية (4)، حيـن قال في يسوع : ” انه حمل الله الذي يحمل خطايا العالم “ (يو 29/1).
3. الإطار الليتورجي
علاقة هذه القراءة بنصوص الصلاة الفرضية :
تتركز صلاة رمش عيد الصليب على أهمية الصليب الذي أصبح أداة الخلاص ورفع جنسنا الوضيـع، وبواسطته غلب المسـيح الموت وصار الباكورة لقيامـة الأموات، وصعـد بالمجد إلى السـماء. وعلى عرش المجـد يهتف له الكاروبيم والسرافيم. ومع الملائكة نسبح له نحن أيضًا ونقول : لك نجثو ولك نسجد أيها المسيح مخلصنا.
نترجم هنا بعض أبيات من ترتيلة الباساليق حيث تقول :
صليبك ملك في السماء وصليبك ملك في الأرض، وصليبك كلل الجموع التي اعترفت به.
الصليـب الـذي تراءى فـي السـماء وتجلـى بالرحمة للبشـر هو يرفـع جنسنا ويضعـه في السماء.
بصليبك يتفق الكـل، وبصليبك يتجـدد الكـل، وبصليبك يا رب احفظنـا مـن أعمال الشرير.
يشبه الصليب المقدس الينبوع الجاري في جنة عدن، يشرب منه الحكماء وكذلك الجهلاء يقتنون المعرفة.
يشبه الصليب المقدس، شجرة الحياة في الكنيسة ثماره تصلح للأكل وأوراقه تنفع للعلاج.
علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الأخرى لهذا العيد :
نلاحظ في القراءة الأولى (اش 13/52-12/53)، نشيد عبد الرب، أي المسيح، الذي شوهته الآلام وأهانه البشر واحتقروهُ، وصُلبَ كالمجرمين. لكن الله أكرمهُ ومجَّدَه، وبآلامهِ فدانا وبصليبه خلصنا.
أما القراءة الثانيـة (1 قور 18/1-31)، يقارن بولس الرسـول بين حكمـة الله وحكمة البشـر. اعتبر الناس الصليب ضعفًا وحماقـةً وعارًا، بينما هو لـدى الله حكمة وقدرة وفخر، لأنه دليل سعة حب الله وعمقه وعظمة قوته في البذل.
أما انجيل لوقا (13/24-35) فيسرد لنا ظهور يسوع لتلميذي عماوس وكيف شرع يشرح لهما ان الآلام والصليب كانا طريقهُ إلى المجد السماوي.
4. رسالة هذهِ النبوءة لعالمنا المعاصر (تأوين)
العبد المذكور في هذا النشـيد هو المسيا، ربنا يسوع المسـيح، الذي سيتعظم بسبب تضحيته، هذا العبـد ستتشوه صورته أكثر من بني البشـر، ولكنه بآلامـهِ سيطهر الأمم.
من كان يمكن ان يصدق ان الله يختار عبدًا متواضعًا ومتألمًا ليخلص العالـم بدل ان يختار ملكًا مجيدًا ؟ هذه الفكـرة هي على النقيض من الكبرياء البشـرية والطرق العالمية، ولكـن الله كثيرًا ما يعمـل بطرق لا يمكن ان نتوقعها. فقـوة المسيا تجلت في التواضع والألم والرحمة.
كيف يمكن لشـخص من العهـد القديم ان يدرك فكـرة موت المسـيح لأجل خطايانا حاملاً العقاب الذي كنا في الواقع نستحقه نحنُ ؟ لقد كانت الذبائح تعطي هذه الفكرة، ولكن ان تذبح حملاً شـيء، وان ترى ان عبد الله المختار هو هـذا الحمل شيء آخر تمامًا. ولكن الله يزيح ستار الزمن ليجعل الناس في زمن اشعيا النبي يتطلعون إلى الأمام، إلى آلام المسـيح في المستقبل، والغفـران الناتج من ذلك، والذي سيتاح لكل البشر.
هكذا كان الناس في العهـد القديم يقدمون ذبائح حيوانيـة عن خطاياهم، وهنا نجد عبد الرب الذي بلا خطيئة، يبذل نفسه عن خطايانا، فهو الحمل الذي حمـل خطايا كل الناس.
لقد تألم المسـيح لأجلنا، حاملاً خطايانا ليجعلنا مقبوليـن عند الله. فماذا عسانا نقول لمثل هذه المحبة وكيف نتجاوب معها ؟
هذا العبد البار يبررنا بقبولنا له، لذا فلنخلع حياة الخطيئة ولنلبس بِرَّ المسيح.