معرفة يسوع والفرح معه (67)
الاب باسل يلدو
لأحد الثاني من الصليب
(القراءة الثالثة)
فالآن يا إخوتي افرَحوا في ربِّنا. إنّي لستُ أَضجَرُ من أن أكتُبَ هذا بعينهِِ إليكم لأنّهُ لتنبيهِكُم، احذروا الكِِلابَ. احذروا الفَعَلَةَ الأشرارَ. احذروا قَطْعَ اللحم، فإنَّ الختانَ إنّما هو نحن الّذين نعبُدُ اللهَ بالرُّوحِِ ونفتخرُ بيسوعَ المسيحِ ولا نتكلُ على الجسد، معَ أنّهُ كان ليَ اتكالٌ على اللّحمِِ أيضًا. فإنّهُ إن ظنَّ أحدٌ أنّ لهُ اتكالاً على اللّحم فأنا أفضلُ منهُ، أنا المختونَ في اليومِ الثّامنِ الّذي هو من ذُرّيّةِ إسرائيلَ من سبِطِ بنيامينَ والذي هو عبرانيٌّ ابنُ العبرانييّن ومن جهةِ الشّريعةِ فرّيسيٌ، ومن جهةِ الغَيرةِ مضطهِدٌ للكنيسةِ ومن جهةِ برِّ النّاموس كنتُ بغير لَومٍ، ولكنَّ هذهِ الأشياءَ التي كانت لي رِبحًا قد عدَدَتها من أجلِ المسيحِ خُسرانـًا، وإنّي أعُدُّها كلَّها خُسرانـًا من أجلِ عِِظَمِِ معرفةِ ربّي يسوعَ المسيحِِ الذي لأجلهِِ خسِِرتُ كلَّ شيءٍٍ وعَدَدَتُهُ كالزِّبلِِ لأربحَ المسيحَ، وأجدََ فيهِِِِ غيرَ حاصلٍ على برِّ نفسي الذي هو من النّاموس بل على الذي هو من إيمان المسيحِ الذي هو البرُّ الذي من اللهِ، الذي بهِ أعرِفُ يسوعَ وقوّةَ قيامتهِ. وأشتركُ بآلامهِ وأتشبَّهُ بموتِه، لعلّي أستطيعُ بلوغَ القيامةِ التي من بينِ الأموات، لا كأَنّي قد فُزتُ بذلك أو قد بلغتُ إلى الكمال إلاّ أنّي أسعى لعلّي أُدرِِكُ ما أدركني لأجلهِ يسوعُ المسيح. يا إخوتي أنا لا أفتكرُ في نفسي أنّي قد أدركتُ. وإنّما أعرفُ أمرًا واحدًا وهو أن أنسى ما ورائي وأمتدَّ إلى ما قُدّامي، فأسعى نحو الغرَضِ لأنالَ نصرَ دعوةِ اللهِ العُليا في يسوعَ المسيح.
(فيلبي 1/3-14)
1- الإطار التاريخي الذي ورد فيه نص (فل 1/3-14)
يرجح تاريخ كتابة هذه الرسالة إلى حوالي سنة 61 ميلادية، حيث كتبها مار بولس الرسول من روما عندما كان سجينًا هناك. لقد أسس الرسول بولس ورفقاؤه الكنيسة في فيلبي في رحلته الثانية (أع 11/16-40)، وكانت أول كنيسة تؤسس في قارة اوروبا.
وقد أرسلت الكنيسة في فيلبي عطية مع أبفرودتس (أحد أعضائها)، إلى الرسول بولس عندما كان سجينًا في روما في ذلك الوقت، فكتب هذه الرسالة ليشكرهم على عطيتهم ولكي يشجع إيمانهم ويؤكد لهم بأن الفرح الحقيقي هو في الرب يسوع المسيح.
لقد زار الرسول بولس أثناء رحلته التبشيرية الأولى الكثير من المدن القريبة من مركز خدمته في انطاكيا، أما في رحلته الثانية والثالثة فقد امتدت رحلاته إلى أبعد من ذلك. ولم يكن في قدرته الإشراف على كل الكنائس التي أسسها، لتباعد المسافات في ما بينها، ولهذا كان مضطرًا لكتابة رسائل لتعليم المؤمنين وتشجيعهم، وهكذا نجد بأنه كان له مساعدون متطوعون مثل (تيموثاوس، مرقس، أبفراس)، قاموا شخصيًا بتوصيل هذه الرسائل، وكثيرًا ما قضوا وقتًا بين هذه الجماعات لتعليمهم وتشجيعهم.
2- التحليل الكتابي – البيـبلي (Esegetic)
تعتبر هذه الرسالة إلى أهل فيلبي رسالة فرح للرسول بولس، فقد كانت الكنيسة في تلك المدينة المقدونية، مشجعًا عظيمًا للرسول بولس، حيث كان المؤمنون هناك لهم علاقة خاصة بهذا الرسول، فكتب لهم معبرًا عن محبته وعواطفه، وبالفعل كانت رسالة مفرحة جدًا له لأنها تؤكد الفرح الحقيقي في الحياة المسيحية وبالرب يسوع.
ترد كلمة ” الفرح “ ومشتقاتها في هذه الرسالة 16 مرة، وتشع من كل صفحاتها حتى تصل الذروة في القـول ” افرحوا في الـرب دائمًا “ ” وأقـول أيضًا افرحوا “ (فل 4/4). ولهذا يعلمنا بولس في هذه الرسالة كيف نحيا حياة مفرحة وناجحة من خلال اتحادنا بالمسيح الذي هو مرشدنا ومصدر قوتنا وفرحنا.
لقد واجه الرسول بولس في حياته المكرسة لخدمة المسيح، الفقر والغنى، وما بينهما، وكتب هذه الرسالة وهو في السجن معبرًا عن قناعته وفرحه الحقيقي بالرب يسوع لأنه كان يركز كل انتباهه وطاقاته على معرفة المسيح الذي أخلى نفسه من حقوقه وصار إنسانًا وسكب حياته لدفع العقوبة التي كنا نستحقها، ولهذا علينا أن نأخذ موقف المسيح أثناء خدمتنا.
3- الإطار الليتورجي
* علاقة هذه القراءة بنصوص الصلاة الفرضية :
تدور صلاة الفرض للأحد الثاني بعد الصليب حول قوة الصليب والخلاص الذي صار لنا بواسطته، حيث نجد إشارات عن أهمية الصليب في حياتنا المسيحية، حيث يقول المدراش :
” الابن الذي صالح العالم بمجيئه، يحفظ الساجدين له بهذا الصليب الذي به اجتمعت المراحم واستمعت الشريعة له، لأنه هو ملجأنا وبقوة الصليب ننشد قصته، الصليب أصبح كنزًا للكل ومنه نأخذ العون، ومن خلال الصليب أشرق النور على الجميع وبدد الظلام “ (الحوذرا – الجزء الثالث، صفحة 308).
* علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الأخرى :
نلاحظ في قراءات العهد القديم، القراءة الأولى (تثنية الاشتراع 1/9-6) والقراءة الثانية (اشعيا 1/25-8) مع قراءة العهد الجديد من رسالة مار بولس الرسول إلى أهل (فيلبي 1/3-14) وإنجيل (متى 14/17-26) تشابهًا في المحاور الرئيسية : كلها تؤكد الإيمان بالرب يسوع والإتكال عليه والفرح معه.
ففي القراءة الأولى (تثنية الاشتراع 1/9-6)، نرى موسى يخاطب الجمع قائلاً لهم : بأن الرب سيكون معهم وهو يكسر الأعداء ويهزمهم لا لأجل بر الشعب وإنما لتحقيق وعده. لأن الله، وفيّ في كل وعوده وعهوده ولذلك يجب أن نؤمن به وبكلماته.
والقراءة الثانية (اشعيا 1/25-8)، تتحدث عن نبوءة اشعيا الذي يقول : ” أيها الرب أنت إلهي، أعظمك وأعترف لاسمك لأنك صنعت عجائب “. إذا عرفنا الرب جيدًا وآمنّا به سوف نحقق نحن أيضًا عجائب لأن أساس المعرفة هو الإيمان.
أما رسالة مار بولس الرسول إلى أهل (فيلبي 1/3-14)، فيؤكد فيها مار بولس الفرح بالرب يسـوع واستعـداده لتحمـل كـل شيء من أجـل المسيح. وإنجيل (متى 14/17-26)، يسأل التلاميذ يسوع لماذا لم يستطيعوا إخراج الشيطان من الصبي، فيجيب يسوع بسبب قلة إيمانهم، ولهذا نحن بحاجة إلى الإيمان العميق دائمًا بالرب يسوع ومعرفته المعرفة الحقة.
4- رسالة هذا النص لعالمنا المعاصر (تأوين)
مع أن الرسول بولس كتب هذه الرسالة وهو في السجن، إلا أن الفرح هو الموضوع البارز فيها، وسر فرحه هو علاقته مع يسوع المسيح، ولهذا يجب أن نتعلم من هذا الرسول معنى الفرح الحقيقي من خلال علاقتنا الروحية بالرب يسوع.
نلاحظ الناس يسعون بكل جهدهم نحو تحقيق السعادة والفرح في حياتهم، ولكن أحيانًا لا يستطيعون الوصول بسبب مشاغل الحياة والفشل الذي يصيبهم، ولهذا نجدهم يلعنون حظهم ويتذمرون بسبب عدم تحقيق ذلك الشيء. أما المؤمنون فيجب