مثل الغني ولعازر (83)
مثل الغني ولعازر
لوقا 16 : 19-30
الأب ميسر بهنام المخلصي
” كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا.
وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ، وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ،
فَنَادَى وَقَالَ: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يَا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي، لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هذَا. قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ” .
مركز انجيل لوقا يبدا من رحلة يسوع الى اورشليم (9: 51) “لما حانت ايام ارتفاعه, قسى وجهه للاتجاه الى اورشليم”. لقد اقتربت النهاية وهو يواجهها بكل صلابة محققا نبوة اشعيا الثاني (50: 7) “لذلك جعلت وجهي كالصوان وانا اعلم باني لا اخزى” بكل قوة مع تأثيرات جانبية تبين عظمة الحدث, مثال ارسال رسل يتقدمونه كانه ملك ( لو 10) لكن الطريق ليس بالقصير لما يحتويه من احداث ودرو, نجاحات وفشل لؤلائك اللذين قبلوا ان يسلكوا ذاك الطريق .
درس حول عدم الانتقام واخر حول متطلبات هذا الملكوت الذي ينشدونه والذي من الان سوف تكشف اسراره للصغار، الذين يسمعون كلمة الله ويقبلونها بفرح. ثم يبين يسوع من هم اؤلائك الصغار من خلال امثلة عديدة ( السامري الصالح ،مريم ومرتا ،ووجوب الالحاح بالصلاة مقابل الفريسين ورؤساء الدين ممثلوا اسرائيل, المتكبرين الذين يعتقدون بأنهم اولاد ابراهيم وهم بتطبيق الشريعة ينالون رضى الله وملكوته) .لكن يشدد يسوع (لوقا) على اهمية نعمة الله وضرورة التوبة للحصول على هذا الرضى . وهذا كله من خلال الامثلة الثلاثة في فصل (15).
وصولا الى مثلنا هذا الذي هو جواب يسوع على استهزاء الفريسين حول مثل الوكيل الخائن الوارد في فصل(16) والذي يبين يسوع من خلاله ريائهم ،كما ان ملكوت الله ليس مرهون فقط لأولاد ابراهيم بل هو نعمة نحصل عليها متى ما اعتمدنا على عون الله (لعازر) المعطى لنا . هذا العون ليس بعيد انه في الباب واقف ينتظر (رؤ 3: 20)، ينتظر عودتنا الى ذاتنا الانسانية.
قبل الولوج في المثل علينا ان نعلم بان المثل يعود الى تقاليد قديمة في مصر وفلسطين ولكن لكل منها مغزى وغاية مختلفة الواحد عن الاخر, وتبقى غاية المل الذي يقدمه يسوع هنا في لوقا مختلفى هي الاخرى عنهما. تحاول الاسطورة المصرية القاء الضوء على الحياة الاخرى من خلال. اولا: التعارض بين الوضع البشرعلى الارض ووضعهم في الحياة الاخرى.
ثانيا: التاكيد على المجازاة بعد الموت.
اما التقليد الرابيني في فلسطين فليس القصة بين الغني والفقير مثلما تقدمها الاسطورة المصرية ولكن يقدم الرابيين خبر العشار والرجل الورع. والذي فيه يحاول ان يبين عدالة الله بدقة من خلال بينان الفرق الاثنين. ربما اخذ الرابيون المثل المصري وكيفوه حسب ايمانهم.
لذلك علينا الانتباه الى خبر لوقا والذي لايريد به يسوع ان يقدم درسا مصريا او رابينيا, لكن على العكس كما تعودنا من يسوع كل جديد, غايته النهائية بيان نعمة الله واهمية الذكر والمواصلة في الكتب المقدسة.
المثل مشهدان وضع الغني ولعازر في الارض ( لو16: 19_ 21) ثم وضعهما بعد الموت (لو 16: 22_ 26) ثم الخاتمة (لو: 27_31) هي خلاصة المثل وقمته .
المشهد الاول
ربما هو واقعي موجود في كل مجتمع وكل زمان هنالك دائما الاغنياء وهنالك الفقراء ولكن ما ليس مقبولا ان تكون العلاقات بين الاثنين بهذه الطريقة .لايقول لنا المثل شيء عن الاثني, كل ما هنالك الغني يتمتع والفقير يتألم لكن لايقول ان كان الغني خاطئا و الفقير بارا ولا العكس, لكن نستطيع ان نستشف بان الغني غير مبالي عن الذي في بابه وهذا عكس ما اخبرنا به لو سابقا في مثال السامري الصالح ( 10: 36) , مطلب الرحمة الذي يدعوا اليه يسوع. أيضا يمكننا الانتباه ان الغني ليس له اسم انه زائل ولايذكر من بعد. اما الفقير فله اسم يذكره الله الى الابد لأنه اله الفقراء، في الاسم شيء اخر : الاسم رسالة. هنا لعازر يعني ( الله يعين, او عون الله) انه رسالة للغني مجرد وجود الفقير لعازر على باب الغني هو علامة صارخة ان الفقير في حياته مساعدة له من عند الله . الفقير في حياة الغني فرصة بالخروج من التقوقع من الاستقلال الذي بحث عنه الابن الشاطر في الفصل (15) الغني يحتاج الى الفقير .وهذا ما يكتشفه في المشهد الثاني لكن للأسف متأخر انه يكتشف حقيقة الوضع لكن قد فات الاوان.
المشهد الثاني
يعود بنا هذا المشهد الى لعازر وكيل ابراهيم ( تك 15: 3) لعازر الدمشقي الذي يرسله الاب الكبير ابراهيم الى نسله ليفحص كيف ان ابنائه يديرون خيرات الارض المؤتمنة لديهم. لعازر هو مرسل من ابراهيم لكنه عون لنسل ابراهيم. في هذا المشهد تكشف الحقائق بوضوح اكثر, يشبع الجائع ويطلق الغني فارغا, يعيدنا لوقا الى نشيد العذراء مريم في الفصل الاولمن كتابه هذا “حط الاقوياء عن العروش ورفع الوضعاء .اشبع الجياع من الخيرات والاغنياء صرفهم فارغين” (52 53 ) . الرفيع عند الناس لا قيمة له في عين الله ( 16: 15 ) هذا ما يوجهه يسوع للفريسين الذين يحبون المال والذين يزكون انفسهم امام الناس والذين يعتقدون ان فيه ضمانهم ( المؤمون) ، لكن الله عالم بما في قلوبهم . الغني يفهم الان فقط ان الله يساعد ، البنوة الابراهيمية ليست قضية نسب او نسل البنوة الحقيقية لأبراهيم تتحقق في جسد عالم واقعي من خلال اعمال الرحمة ليس لشخص قريب معروف ولكن الفقير هو مساعدة الله لكل الناس البنوة هي خروج من قوقعة الماضي المريح من خلف جدران الامان, من هاوية الاستقلال, نحو مستقبل عملي , ربما مهدد ,وفي ذات الوقت علائقي. كل هذا لم يكن في حسبان الغني لذلك تراه الان يترجى بطريقة مجاملة مدعيا ان ابراهيم اباه فيطلب منه ان يرسل لعازر لنذر اخوته الخمسة ( 16: 27_ 28), واكن هذا ايضا غير ممكن. ما لم يستطع فهمه سابقا يحاول الان ان يفرضه على ابراهيم (الله) فربما يرى الاخوة في معجزة عودة ميت) عون الله في حياتهم ليتجنبو هذا المصير المؤلم. مرة اخرى يفشل في معرفة الله وحبه الغير المتناهي من خلال النعمة يشرق بها الله على اولاده الصالحين والطالحين. اخوته الخمسة ليسو بحاجة الى توصية( شفاعة) منه ( الاشرار الموتى لايمكنهم التشفع لمن في العالم), كل انسان في هذا العلم مشمول بنعمة الله وهو ضمن تدبيره لا الخلاصي.
هنا يدخل موسى والانبياءالى المشهد, وهذا يتككر اكثر من مرة في انجيل لوقا. الايمان الحقيقي لا يحصل نتيجة لأية خارقة مثل عودة ميت لكنه يحصل من السماع لكلام الله في الكتاب المقدس. نجد ذلك في قصة التجلي ( 9: 30 ), موسى وايليا مع يسوع يكلمانه, في كتب الشريعة والانبياء يمكن مشاهدة الله في شخص المسيح. بل لمس عمل الله في شخص المسيح القائم. ايضا في ( لو 24: 32) مع تلميذا عماوس, يمكن رؤية القائم من بين الاموات فقط في الكتب المقدسة. من لا يتقد قلبه عند قراءة كلام الله, ولا يكسر خبزه للجائع, لا يرى عون الله حتى اذا قام واحد من الاموات. وهكذا يكشف لوقا في الختام لكنيسته ان رؤية القائم من بين الاموات حقيقة واضحة في الكتب المقدسة, لسنا مطالبين من بعد البحث هنا وهناك عن هذه الحقية.
لعازر مطروح في باب كل واحد منا (عون الله ), كل ما علينا ان ننتبه لهذا العون , لا يجب ان يمر دون ان يحدث فينا انقلاب او دفعة حول حضن ابراهيم, بذات الوقت نحنمدعون ان نكون لعازر للاخري, وهكذا تتحق ارادة الله في عالمنا من خلال هذه العلائقية التي هي صورة مصغرة لعلاقة الله بنا.من فصل نفسه عن الناس فصل حب الله عنه. نحن مدعون جماعة (كنيسة) يجمع في المسيح مؤسسها كل ما من هو متروك, مرتذل, مريض, جائع, يتيم, فقير وغريب. حينها يكون لنا اسم لان هنالك من ينادينا به, يكون لنا رسالة , نكون عون للاخرين عندما نرى فيهم عون لنا.