لماذا لم يعد يسوع القائم من بين الأموات يتراءى ؟ العدد (81)
قام يسوع من بين الأموات
أَعلن القديس بولس لأهل مدينة قورنثس سر إيماننا المسيحي العظيم قائلاً :
” إِن المسيح مات من أَجل خطايانا، كما ورد في الكتب، وأَنه قُبرَ وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب ” (1 قورنثس 3:15-4).
يضيف رسول الأمم ذكر ظهورات يسوع للرسل وللتلاميذ كبرهان لقيامته المجيدة من بين الأموات قائلاً :
” وأَنه تراءَى لصخرٍ (بطرس) فالإثني عشر، ثم تراءَى لأَكثر من خمسمائة أَخ معًا، لا يزال معظمهم حيًّا، وبعضهم ماتوا، ثم تراءَى ليعقوب، ثم لجميع الرسل، حتى تراءَى آخر الأمر لي أَيضًا أنا السقط ” (1 قورنثس 5:15-8).
نجد في هذين النصين الكريمين ثلاثة أفعال تشير إلى أمور حدثت في الزمن الماضي : المسيح ” ماتَ ” و” قُبِرَ ” و” تراءَى “. هناك فعل يشير إلى نتيجة الحالة الحاضرة التي تدوم دائمًا وأبدًا : إنه ” قام ” ؛ وبعبارة أُخرى أن ظهورات المسيح قد حدثت فعلاً. لم يكن الرسل والتلاميذ ضحايا أَوهام مخيلتهم ؛ وأن المسيح حي إلى الأبد.
الكنيسة هي يسوع المسيح كله منتشر في العالم كله
إن الكنيسة تشهد بـاستمرار ودون كلل لهـذا الحدث الذي هو أساس إيماننا : ” المسيح قام “.
يقول المطران بوسويه (:Bossuet م1627-1704 م)، وهو واعظ فرنسي شهير بمواعظه الفصيحة ومؤلفاته اللاهوتيـة والفلسفيـة والتأريخية مـا يـأتي : ” الكنيسة هي يسوع المسيح المنتشر في العالم كله، إنها يسوع المسيح كاملاً، يسوع المسيح بملئه “. إذن يسوع يظهر في كنيسته، التي من خلالها يواصل تعليمه ومنح الحياة بواسطة أَسرار الكنيسة السبع.
يسوع يظهر من خلال الكنيسة جسده السري
من الآن وصاعدًا، كَشفُ المسيح القائم لا يحدث عبر الظهورات المرئية، ولكن عبر حضوره الفعال في كنيسته ؛ هكذا يمكننا أن نفهم وعد يسوع قبل صعوده إلى السماء : ” هاءَنذا معكم طوال الأيام، إلى منتهى العالم ” (متى 20:28).
إن يسوع المسيح حاضرٌ بيننا عبر جسده السري، أي الكنيسة، كما يقول القديس بولس : ” إن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده ” (أفسس 23:5)، ” وهو رأس الجسد أي رأس الكنيسة ” (كولوسي 18:1)، ” … في سبيل جسده الذي هو الكنيسة ” (كولوسي 24:1)
إنه حاضر تحت ملامح الأخوة المحتاجين كما أكد يسوع : ” الحق أقول لكم كلما صنعتم لواحد من أخوتي الصغار فلي قد صنعتموه ” (متى 45:25) ؛ إنه حاضر حينما تجتمع الكنيسة للصلاة : ” حيثما آجتمـع إثنان أو ثلاثة بـآسمي كنتُ هنـاك ” (متى 20:18).
إنه حاضر في الأفخارستيا التي تقيمها الكنيسة، إن تلميذي عماوس عرفاه عند كسره الخبز (لوقا 35:24).
الروح القدس يجعل منا مسحاء آخرين
لنخطو خطـوة أخرى. بعـد العشاء الفصحي، نبّه يسـوع المسيـح الرسل قائلاً : ” إنه خير لكم أن أَذهب، فإن لم أذهب، لا يأتيكم (الروح) المؤيِّد، أما أذا ذهبت فأرسله لكم ” (يوحنا 7:16) يضيف القديس بولس : ” إن الروح الذي أَقام يسوع من بين الأموات حالٌّ فيكم ” (رومة 10:8-11).
لم تعد المسألة أن ” نرى يسوع، ولكن أن نعيش مع الروح القدس الذي يقودنا إلى ملء الحقيقة، إنه سوف يجعل كل واحد منا ” مسيحًا ” آخر وأبناء للآب.
يرفع يسوع الإيمان من دون روية إلى مرتبة التطويبة ! حينما قال للرسول توما ” أَلأَِنك رأيتني آمنت، طوبى للذين يؤمنون ولم يروا ” (يوحنا 29:20).
إن وضعنا، نوعًا ما، هو أفضل من زمن ظهورات يسوع : مع الكنيسة، في الأفخارستيا، وبالروح القدس، لا ينفكّ يسوع من الظهور لنا في كل بقاع الأرض، ولكل واحد منا، وفي كل لحظة، وفي كل الأزمنة.
القديسون حاملو جراحات يسوع Stigmates يكشفون لنا عن وجه المسيح
نجد ظاهرة خارقة لاختبارات صوفية لدى بعض القديسين، تكشف لنا وجه الرب يسوع، ألا وهي ظهور جراحات يسوع المسيح في أجسامهم.
إنها الجراحات التي عاناها يسوع خلال آلامه، التي سببتها أشواك إكليل الشوك على رأسه المقدس، المسامير التي غرست في يديه ورجليه والحربة التي غرسها الجندي الروماني في جنبه.
تظهر هذه الجراحات على أَجسام بعض المتصوفين في أَمكنة جراحات يسوع : في الأيدي والأرجل والجنب مسببة آلامًا مبرحة لدى هؤلاء القديسين، مذكرة بالآلام التي عاناها يسوع ؛ لا تشفى هذه الجروح بأي علاجات وتدوم مدى حياة القديس.
إن أَشهر هؤلاء الجرحى هم : القديس فرنسيس الأسيزي (إيطاليا) (1181-1226 م)، والقديسة كترينا السيانية (1347-1380 م). ومن بين القديسين المعاصرين : تيريز نيومن (ألمانيا) (1898-1962 م) والأب بيو الكبوشي الإيطالي (1887-1968 م) والقديسة مارت روبن الفرنسية (1902-1981 م).
إن هذه الجراحات علامات حسية تعبر تعبيرًا جسديًا عن محبة هؤلاء القديسين للمسيح ولآلامه وصليبه وتكشف لنا عن يسوع المسيح الحاضر في كنيسته.