كيف سيكون العام الجديد ؟ العدد (44)
موقفنا من أحداث العام الجديد
نجهل ما الذي سيحدث في بحر السـنة الجديدة التي ستبدأ بعد أيام قلائل، لأن حصـول معظم مجرياتها ليـس مرهونًا بإرادتنا، إلا انه في مسـتطاعنا ان نتلقّاها بطمأنينة نابعة من ثقتنا بأبوّة الله وحنانه.
السنة الجديدة صفحة بيضاء
ان السنة الجديدة صفحة بيضاء، خالية من أي كتابة، ولكنّ أسطرها ستمتلئ تدريجيًا بسرد الأحداث التي ستجري أثناءها. حينما نُلقي نظرة أولى على التقويم الجديد الذي نشـتريه من الكنيسـة أو من إحدى المكتبات، ونقلّب صفحاته، لربما تنتابنا تجربة أن نتخيل الأحداث التي ستطبع الأشهر الاثني عشـر المقبلة بِسِمات خاصة، ونبدأ نتسـاءل : ما هي التواريـخ التي ستبقى منقوشـة في ذاكرتنـا ؟ وما هي الأفراح والأحزان والتقلبات التي يحملها العام الجديد.
بلا ريب، هناك بعض المشـاريع والإستحقاقات، تظهـر خطوطها الأولى في الأفق : ولادة طفل مُنتظر، القيام بسفر إلى مكان قريب أو بلد بعيد، اجتياز اختبار ما ؛ إلاّ ان أمورًا تدعو إلى القلق، وتلقي بظلالها على آفاق العام الجديد : هـل سنجتاز عامًا آخـر معكّر بالفلتان الأمنـي وبالأحداث المأساوية التي نعايشـها ؟ وبعدم الاستقرار الذي يُلحق الأذى بالبلاد وبالعباد ؟ كم كنا نتمنى لو كنا نستطيع أن نقفز قفزة سريعة إلى نهاية العام لنعرف كل هذه الأمور المجهولة لدينا.
ليس في إمكاننا إستطلاع المستقبل
مهما كانت إدّعاءات العرّافيـن والعرّافات، فليس في وسعهم قراءة المسـتقبل، ومهما كثرت تخرّصات المنجّمين ومستطلعي الأبراج وتكهناتهم المختلفة في مطلع هذا العام، فليس في مكنتهم تسليط الضوء على السنة الجديدة.
من المفيد جدًا ان نذكر ما يقوله تعليم الكنيسـة الرسـمي الوارد في ” كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية “ بهذا الخصوص : ” يجب نبذ جميـع أشكال العِرافة “ (الرقم 2116)، لأنها تناقض الإيمـان والرجاء المسـيحييّن، وتخالـف السجود المفعم بالمحبة – هذا السجود الذي يجب تقديمه لله وحده عزّ وجل.
يشـرح كتاب ” التعليم المسيحي “، الآنف ذكره، أسـبابَ وجوب نبذ جميـع أشكال العِرافة قائلاً : ” إن استشارة مستطلعي الأبراج والمنجّمين وقارئي الكف، وشارحي الفأل أو الشؤم أو الحظّ، وظاهرات الرائين واللجوء إلى الوسطاء، أمورٌ تخبئُ إرادة التسلّط على الوقـت، وعلى التاريخ وأخيرًا على البشـر، وفي الوقت عينه الرغبة في استرضاء القوى الخفية “ (2116)، إن هذه الرغبة ليسـت فينا واعيةً واضحة، ولكنها مخفيّة دومًا في تضاعيف عقلنا الباطني.
ما هي النظرة المسيحية التي علينا أن نلقيها على المستقبل ؟
يجيب كتاب ” التعليم المسـيحي “ عن هذا السـؤال قائلاً : ” يقـوم الموقف المسيحي الصحيح على تسليم الذات بثقة بيـن يدي العناية الإلهيـة في ما يتعلّق بالمستقبل، وترك كل فضول فاسدٍ من هذا القبيل “ (2115).
سبق يسوع وطلب منا مرارًا الاستسلام البنوي لعناية الآب السماوي، كقوله : ” لا تقلقوا بشـأن الغد، فالغد يهتم بنفسـه، ولكـل يوم من العنـاء ما يكفيـه “ (متى 34/6). من المفيد جدًا الاحتياط للأمور وتنظيمها، وخصوصًا إذا كان المـرءُ مسؤولاً عن عائلة ما، ولكن يجب إستيداع كل شيء في يدي الله، إذ إن أسـاس ثقتنا واطمئناننا على المستقبل يعتمد كل الاعتماد على محبة الله لنا.
يستند رجاؤنا على كلمة الله ووعده، وليـس على تكهّنات عرّافٍ ما، أو على تخمينات الخبراء… وإذا كانت رغبتنا في معرفة المستقبل شديدة إلى هذه الدرجة، ألا يُشير ذلك إلى قلّة الثقة ؟
إن الإنتظار من دون معرفة أمور المستقبل صعب
نجد صعوبة كبيـرة في الانتظار من دون أن نعرف الأمور التي ستحدث في المستقبل : هـل المريض، الذي نحب، سينال الشـفاء العاجل ؟ هل الاضطرابات والقلاقل، السائدة في بلدنا وفي بلدانٍ أخرى، ستنتهي بالإستقرار ؟ هل زمن الحالة الأمنية المتردية سينتهي ويعود السـلام والأمان ؟ هل الأجواء العائلية العكرة في أسرة ما سيعقبها صفاء، وتعود المحبة وتزول القطيعة ؟
لكن ما الفائدة التي نجنيها من معرفة الأمور قبل أوان حدوثها ؟ لأنه مهمـا حدث، فالله بلا ريب سيمنحنا نِعمَته وقوته في الوقت المحدد عند احتياجنا إليهما، وليس قبل ذلك.
إن أسوأ عمل نقوم به، في هذه الحالات، هو أن نستسلم للمخيّلة، إذ في إمكان الشرّير إستغلال ذلك وإلحاق الأذى بنا. لأنه حينما تقع الأحداث نستطيع مجابهتها، ولكن حينما نستسلم للخيـال يمكن للقلـق والغم أن يُفضيـا بنا إلى وهـدة اليأس والقنوط، من دون أن يكون في قُدرتنا السيطرة عليه… فلنتذكر دومًا أن نِعمَة الله ليست أمرًا خياليًا… ولكن حقيقة واقعية.
ما الذي سيحدث خلال هذه السنة ؟
إننا نجهل ما الذي سيحدث خلال هذه السنة. ليس هذا السؤال سـؤالاً وجيهًا، لأن الأمر المهم ليس أن نعرف ما الذي سيحدث، لأن حدوثه ليـس بيدنا، ولكن الأهم أن نعرف : ما الذي سنقوم به عند حدوثه ؟ وهذا الأمر هو بيدنا.
ستجري بعض الأحداث من دون أن نتمكن من تغيير مجراها، وإذا تمكنا من عمل شـيء ما، فليـس بصورة مباشـرة، ولن نجني النتائج بسـرعة، لأن هذه الأحداث سـتُفرض علينا من الخـارج. ولكن سنبقى أحرارًا لتقبّلها بثقـة ووعيٍ وعزمٍ، بدلاً من أن نتلقّاها بصورة سلبية، وسوف نبقى أحرارًا أن نقبلها ويحدونا الأمل نحو الأفضل، بدلاً من أن نرى فيها قدرًا محتومًا وقاسيًا.
نتمكّن ان نجعل من سنتنا سنة رائعة في أي حالٍ من الحالتين الآتيتيـن : في حالة إذا كانت سـنتنا سنة شـاقّة وأليمة ومليئة بالمِحن، أو في حالة كانت سـنة ملأى بالأفراح والمفاجآت السارة وبأحداث سعيدة… وذلك إذا ما عشنا أثناءها مع الله ومن أجل الله.. إن هذا الكلام ليس مجرّد عبارات تقويّة، لأنه يعبّر عن واقع حقيقي، يدعونا الله أن نعيش بمقتضاه.