الافتتاحية

كل شيء عابر، الله وحده باقٍ العدد (80)

كل شيء عابر، الله وحده باقٍ

   حينما تعرض أَمامنا شاشات التلفزيون مشاهد مرعبة لأحداث مأساوية، تسبب موت آلاف البشر، تجعلنا هذه المشاهد نشعر شعورًا مرهفًا بضعفنا ووهننا.
حينما تسير أمور حياتنا على ما يرام، نعتقد أَنفسنا أقوياء وأَشداء
   إن الازدهار المادي : وفرة المال والتمتع بالصحة والعافية، توهمنا بأننا أَقوياء أشداء. بالرغم من أننا نعلم علم اليقين، أننا كائنات ضعيفة، سينال الموت منا آجلاً أم عاجلاً ؛ إلاّ أن هذا الواقع لا يشغل بالنا، لأننا نعتبر موعد حدوثه بعيدًا، لذلك نتحاشى التفكير به.
   ولكن إذا ما حدثت فاجعةٌ ما أوحلت نكبةٌ ما، إنقلب الوضع الآمن الذي كنا ننعم به، فنواجه أوضاع حياتنا الواهنة. ألم يحدث لنا أن واجهنا أوضاعًا مؤسفة مفاجئة : شاهدنا أناسًا غادروا منازلهم، متمتعين بالصحة والعافية، وإنطلقوا إلى أماكن عملهم كالمعتاد، وإذا بالموت يفاجئهم على حين غرّة. لم يكن يدور في خلدهم بأنهم كانوا ينعمون في ذلك اليوم بالساعات الأخيرة من حياتهم الأرضية ؟
   حينما نجيل الطرف إلى جدران بيتنا أو مكتبنا، ونتأمل بكل الأشياء التي تحيط بنا، ندرك أنّ بإمكانها بلحظة أن تزول عن الوجود، هي ونحن معها.
إن هذا الأمر يرعبنا
   إن هذا الأمر هو أحد المصائد التي ينصبها لنا الشرير ؛ يحاول إدخال الخوف في نفوسنا والرعب في أعماقنا، لكي يوقعنا في حالة من قطع الرجاء والأمل. يريد الشرير أن يشل حركتنا، ويكرِّهَ الحياة في عيوننا، ويدمر كل ما يمكنه أن يدعونا إلى الفرح والتفاؤل.
   حتى حينما تسير الأمور على ما يرام، يجعلنا الشرير نعيش في قلق واضطراب، موسوسًا لنا : إن هذه الحال لن تدوم… وحينما تحل بنا الأزمة، يوسوس الشرير لنا قائلاً ” كان بإمكان الأمور أن تكون أَسوأ من ذلك “.
نحن سوف نموت، وأطفالنا أيضًا
   إن بيتنا سوف ينال منه الدمار يومًا ما، والأغراض التي جمعناها وقلوبنا متعلقة بها سوف تزول، والإنجازات التي قضينا وقتًا كثيرًا في تحقيقها تنقلب غبارًا، كما يقول النبي أشعيا : ” كل بشر عشب، وكل جماله شبيه بالزهرة البرية، العشب ييبس وزهره يذوي ” (أشعيا 6:40).
   إن الأشياء المادية التي جمعناها على الأرض، لا تفيدنا شيئًا في ذاك اليوم الذي نذهب فيه إلى السماء ؛ كما يقول يسوع : ” لا تَكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في الأرض، حَيثُ يُفسدُ السُّوسُ والصَّدَأ، ويَنقُبُ السَّارِقون فيَسرِقون. بلِ آكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في السَّماء ” (متى 19:6-20).
هل يجوز أن نستنتج من هذا بأن الأشياء الزائلة لا قيمة لها ؟
   يقول سفر الحكمة : ” باطل الأباطيل، يقول الجامعة، باطل الأباطيل، وكل شيء باطل. أي فائدة للإنسان من كل تعبه الذي يعانيه تحت الشمس ؟ ” (الحكمة 2:1-3).
   ألا يدعونا هذا الأمر إلى الإحباط  : أن نعمل لأشياء مصيرها الفناء ؟ بحجة أن نجمع كنوزًا في السماء، علينا أن نحتقر كل ما هو على الأرض ؟
   إنها تجربة تقودنا إلى أن نقسم حياتنا إلى الشطرين الآتيين : من جهة نشاطنا اليومي على الضروريات المادية ؛ من جهة أخرى علاقتنا مع الله، بعيدًا عن الملذات. إن الرب لا يريد أن نقسم حياتنا إلى شطرين.
لا يجوز أن تعارض الأمور الزائلة الأمور الدائمة
   حينما خلق الله العالم ” رأى الله أن ذلك حسن ” (تكوين 25:1) ؛ لا بل تجسّد ليقاسمنا حياتنا البشرية وملأها بحضوره، وقدّسها بكل أبعادها. إن يسوع لم يمر مرور الكرام إزاء الأمور الأرضية، لقد تذوق غداءً لذيذًا، جلس على حافة بئر، تأمل بإعجاب مناظر الطبيعة، عمل نجارًا مع القديس يوسف، حوّل الماء خمرًا… بإختصار عاش هذه الحياة الأرضية بكل أبعادها، بالرغم من معرفته أنها زائلة، ولكنه لم يحتقرها.
لكي نجمع كنوزًا في السماء علينا ان نعيش حياتنا الأرضية بكل أبعادها
   لنتقبل بفرح خيرات هذه الأرض، من دون أن نعلّق قلوبنا بها ؛ فلا نركز كل إهتمامنا عليها، ولا نجعلها محور حياتنا وتفكيرنا، قال يسوع : ” لا تَكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في الأَرض، حَيثُ يُفسدُ السُّوسُ والصَّدَأ، ويَنقُبُ السَّارِقون فيَسرِقون. بلِ آكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزًا في السَّماء حيث لا يفسد السوس والعث، ولا ينقب السارقون ويسرقون، فحيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك ” (متى 19:6-21).
   هكذا سوف نكون أحرارًا إزاء الأمور المادية، عوض أن ينتابنا القلق إزاء إمكانية زوالها، علينا أن نتقبلها بفرح من يد الله. كل الأمور البديعة المؤقتة ستكون علامة تعلن لنا عجائب الله التي تنتظرنا وتدوم ولن تزول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى