الافتتاحية
على خـُطى المجوس العدد (52)
على خـُطى المجوس
من كان المجوس ومن أين أتوا ؟
إن ما يسترعي إنتباهنا في سرد زيارة المجوس للطفل يسوع (متّى 1/2-12)، هو تحاشي الإنجيلي متّى من إعطـاء معلومات مفصّلة ودقيقة عن هؤلاء المجوس. فهو لا يقول لنا من كان هؤلاء المجوس ؟ ولا كم كان عددهم ؟ وما هي أسماؤهم ؟ ومن أَي بلدٍ أَتوا ؟ وما كان شكل النجم الذي ظهر لهم ؟
كما أن الإنجيلي متّى يسـتعمل عبـارات مُبهمة بخصوص الزمن الذي جرى فيه هـذا الحدث، فيقول : ” ولمّا وُلـد يسـوع في بيت لحم اليهودية، في أيـام الملك هيرودس، إذا مجوسٌ قدِِموا أورشـليم من المشرق “ (متّى 1/2). إن هيرودس الكبير هذا ملكَ أربعين عامًا ؛ فالفرق كبير بين هذه الإشارة المُبهَمة، وبين المعلومة الدقيقة التي يعطيها الإنجيلي لوقـا عن زمن ولادة يسـوع، مؤكّدًا إنها حدثت إبان إحصاء السكان الذي أمر به أوغسطس قيصر (لوقا 1/2).
فمـا هو هدف الإنجيلي متّى مـن عدم ذكر هـذه التفاصيل ؟ إنه لم يهمل هذه التفاصيل سـهوًا أو عن غير قصد، لأنه أراد أن يركّز إنتباهنا على التعليم الروحي واللاهوتي الذي يتضمنه هذا السرد أكثر من حدث الزيارة المجوسية، لأن قيمة هذا النص الكريم من الإنجيل المقدس تكمن في الأفكـار الروحية والتعليم اللاهوتي الذي يريد متّى أن يقدّمه لقرّائه الذين دوّن إنجيله في زمانهم حوالي سنة 75م، ولسائر قُرائه عِبر الأجيال.
فمـا هي هـذه الأفكـار الروحية والتعاليم اللاهوتية التي أراد الإنجيلي متّى أن يُضَمِّنها هذا النص الكريم من الإنجيل المقدس ؟
المخلـــّص الشامل
إن التعليم الأسـاسي الذي أراد الإنجيلي متّى أن يُلقيه علينا من خلال هذا النص الكريم هو الآتي : إن الله دعا شعوب الأرض كافة لنيل الخلاص الذي أتى به يسوع المسـيح، وإن طفل بيت لحم، المدعو يسوع، هو المخلّص الشامل لجميع البشر بدون إستثناء وليس لليهود فقط، وهوذا المجوس ممثّلو الشعوب الوثنية، يأتون من المشرق ويتوجّهون إلى المسيح، ليسجدوا لـه، مقرّين بلاهوته، فالإنجيل المقدس هـو البشـرى السـارة لجميع البشر.
أطلـق التقليـد الغربي في القرن الميلادي السادس الأسماء الآتيـة على هـؤلاء المجـوس ” گاسـپار “ ملك من الجزيرة العربيـة و” ملكيـور “ ملـك فـارس، و” بالتـازار “ ملـك الهنود ؛ تعبّر هذه الإسـطورة التقويّة عـن جوهـر الرسـالة المسـيحانية ؛ إذ لم يكن هؤلاء المجوس يهودًا، بل كانوا يمثّلون جميع شعوب الأرض الذين من أجلهم وُلِد يسوع.
إن العهد القديم أُبرم بين الله وبين اليهـود، أما العهد الجديد الذي أبرمه يسـوع وختمه بدمه، فلقد أبرمه مع الشـعوب الساكنين في المعمورة كافّة ، كما أكّد يسـوع حينما قدّس كأس الخلاص قائلاً : ” هذا هو دمي، دم العهـد الجديد، الذي يراق من أجل جميع الناس “ (مرقس 23/14) ؛ (متّى 26/26-29 ؛ لوقا 15/22-20 ؛ 1 قور 23/11-25).
إن دعوة الخلاص المسيحانية شاملة لجميع الناس، وليس لليهود فقط.
تزداد هذه الدعوة الشـاملة إلحاحًا إزاء رفض اليهود للمسـيح، فيعلن هو نفسـه ” سوف يأتي أُناس كثيرون من المشـرق ومن المغرب، فيجالسون إبراهيم وإسـحق ويعقوب على مائدة ملكوت السـماوات “ (متّى 11/8) ؛ وأمر يسـوع تلاميذه بعبارة صريحة ليتوجّهوا إلى جميع الشـعوب ليعلنوا لهم بشـرى الخلاص، وذلك في ختام رسـالته الأرضية قائلاً : ” إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّذوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كل ما أَوصيتكم به “ (متّى 19/28-20).
كيف تحقق هذا الخلاص لهؤلاء المجوس، الذين يمثّلون شـعوب الأرض قاطبة ؟ تحقق هـذا الخلاص من خلال الأمور الثلاثة الآتية : النجم والكتاب المقدس والبيت الذي حوى يسوع ؛ كيف ذلك ؟
ماذا يعني هذا النجم الذي ظهر للمجوس ؟
إن هذا النجم هو الكوكب الذي تنبأ عنه مجوسي شرقي آخر قبل اثنى عشر قرنًا يدعى بلعام، إذ رآه يسطع فوق خِيَم يعقوب (العدد 17/24) ؛ إن نجم يسوع هو النور الذي رآه أشـعيا النبي يسطع على ” الشعب السائر في الظلمة “ (أشعيا 1/9)، إن هذا النجم هـو ” كوكـب الصباح الذي أشـرق في قلوبهم “ كمـا يقول القديس بطرس (2 بطرس 19/1).
يشرق هذا النجم للناس الذين يفتشون عنه في سـماء الإيمان، بحثًا عن الحقيقة، بحثًا عن الله.
حالما يولد إنسان في هذا العالم، يسطع نجم صغير خاص به في سمائه الداخلية، في باطنه، إنه دعوة لطيفة وإنجذاب سرّي لينطلق بحثًا عن المخلّص. إن كل إنسان، مهما كان منغمسًا في الظلام، ومهما إعتقد نفسـه بعيدًا عن الله، لا بُدَّ أن يلمع نجمه في باطنه يومًا مـا، يدعوه لينطلق ويفتش عن الله ؛ ولكن هـل تكون له الشـجاعة ليتحرر من ظلامه ويتبع هذا الإنجذاب إلى أن يجد يسوع المخلّص ؟
الكتاب المقدس
دفـع النجمُ المجوسَ ليبحثوا عن المخلّص، إلاّ أن هـذا النجم كان في حاجة إلى تفسير صائب، لكي لا يحيد الإنسـان عن الصواب ويضيع في سفسطائيات علم الفلك السـحرية وتفاسـير خاطئة، فتنازل الله وعبّر عن فكره ومخططه في كتـاب، هـو ” الكتاب المقدس “.
دخل المجوس أورشـليم، عاصمة الكتاب المقدس، وأثاروا ضجة كبيرة من خلال سـؤالهم ” أين وُلد ملك اليهود ؟ فقد رأينا نجمه في المشـرق، فجئنا لنسـجد له “ (متّى 2/2). لقد دفـع النجمُ المجوسَ ليبحثوا عن الملك، إلاّ أنه لم يتمكن أن يوصلهم إلى مكان ولادته، فأخرج أخصائيو الكتاب المقدس ملفات الأسـفار المقدسة، فوجدوا الجواب على سـؤال المجوس في القول النبوي الآتي : ” وأنتِ يا بيتَ لحمَ يهـوذا، لسـتِ أَصغر ولايات يهـوذا، فمنـكِ يخـرج الملك الذي يرعى شعبي إسـرائيل “ (ميخا 1/5 و2 ؛ 2 صموئيل 2/5) ؛ هكذا تعاون النجم (الوحي الداخلي) والكتاب المقدس (كلام الله) في قيادة خطوات المجوس إلى المخلّص، المولود في بيت لحم.
البيت
إسـتسلم المجوس لقيادة ” النجـم “ وقيادة ” الكتاب المقدس “ وساروا على هدى توجيهاتهما، فبلغوا المراد، ووصلوا إلى المدينة المسـيحانية ” بيت لحم “ حيث يوجد يسوع، ” ودخلوا البيت، فرأوا الطفلَ مع أُمِهِ مريم، فجثوا له ساجدين “ (متى 11/2).
ماهو هذا ” البيت “ الذي أشار إليه النجم ؟
ليس مهمًا إذا كان هـذا ” البيت “ مغـارة، أو دارًا مؤجّرة، أو مقر إقامة مريم ويوسف. بالنسبة إلى الإنجيلي متّى إن هذا ” البيت “ الذي نجد فيه يسـوع ومريم، وحيث نسجد ليسـوع، لا يمكن أن يكون إلاّ ” الكنيسة “ فالكنيسة هي جسد يسـوع السرّي، بيت المسيح، ولا يمكن أن نجده في مكان آخر.
هكذا بِتعاون النجم والكتاب المقدس وبيت يسوع تمكّن المجوس من الوصول إلى المسيح الملك الإله، بعد سفر طويل وشاق، والسجود وتقديم هداياهم له.
لنتبع المجوس في مسيرتهم
تشبه مسيرتنا الإيمانية نحو الله مسيرة المجوس الإيمانية نحو يسوع المخلّص.
يرسـل الله إلينا أيضًا نجوم إلهاماته ليقود خطواتنـا إليه، وبأساليب مختلفة، فهو يكلّمنـا من خلال أحداث الحيـاة، السـعيدة منها والمؤلمة، يكلّمنـا من خلال روائع الطبيعة، يكلّمنا عِبر ضميرنا الذي هو صوت الله في داخلنا، يكلّمنا من خلال أسفار الكتاب المقدس التي هي كلمة الله الحيّة والمحيية، يكلّمنا من خلال المواعظ والتفاسير التي تقدمها لنا الكنيسة المقدسة… كل هذه نجوم ساطعة وإلهامات بليغة تسـطع في سماء نفوسنا لتقودنا إلى الله. فعلينا أن نكون منتبهين ويقظين، فلا تُلهينـا أمور هذه الدنيا وتحجب عنّا رؤية هذه الكواكب. علينا كذلك أن ننقاد بفرح لإلهامات الله، ونكون على أتم إستعداد للمجازفة، فالإيمان مجازفة رائعة.
ولا نخشى غيـاب النجم عـن أنظارنـا أحيانًا، وذلك حينما نشـعر بالجفاف الروحي وعدم الرؤية الإيمانية بوضوح، لأننا على ثقة أن الله لا يتخلّى عنّا برهةً واحدة، فهو يتابع مسـيرتنا على هـذه الأرض، ويقودنـا في الطرق القويمة إلى أن يوصلنا إليه.
إن المكافأة الكبرى تنتظرنا، على مثال المجوس، أي فرحة لقاء يسـوع والسعادة التي نشعر بها حينما نكتشفه فنحبه ونطبّق وصاياه ونسجد لله.
من كان المجوس ومن أين أتوا ؟
إن ما يسترعي إنتباهنا في سرد زيارة المجوس للطفل يسوع (متّى 1/2-12)، هو تحاشي الإنجيلي متّى من إعطـاء معلومات مفصّلة ودقيقة عن هؤلاء المجوس. فهو لا يقول لنا من كان هؤلاء المجوس ؟ ولا كم كان عددهم ؟ وما هي أسماؤهم ؟ ومن أَي بلدٍ أَتوا ؟ وما كان شكل النجم الذي ظهر لهم ؟
كما أن الإنجيلي متّى يسـتعمل عبـارات مُبهمة بخصوص الزمن الذي جرى فيه هـذا الحدث، فيقول : ” ولمّا وُلـد يسـوع في بيت لحم اليهودية، في أيـام الملك هيرودس، إذا مجوسٌ قدِِموا أورشـليم من المشرق “ (متّى 1/2). إن هيرودس الكبير هذا ملكَ أربعين عامًا ؛ فالفرق كبير بين هذه الإشارة المُبهَمة، وبين المعلومة الدقيقة التي يعطيها الإنجيلي لوقـا عن زمن ولادة يسـوع، مؤكّدًا إنها حدثت إبان إحصاء السكان الذي أمر به أوغسطس قيصر (لوقا 1/2).
فمـا هو هدف الإنجيلي متّى مـن عدم ذكر هـذه التفاصيل ؟ إنه لم يهمل هذه التفاصيل سـهوًا أو عن غير قصد، لأنه أراد أن يركّز إنتباهنا على التعليم الروحي واللاهوتي الذي يتضمنه هذا السرد أكثر من حدث الزيارة المجوسية، لأن قيمة هذا النص الكريم من الإنجيل المقدس تكمن في الأفكـار الروحية والتعليم اللاهوتي الذي يريد متّى أن يقدّمه لقرّائه الذين دوّن إنجيله في زمانهم حوالي سنة 75م، ولسائر قُرائه عِبر الأجيال.
فمـا هي هـذه الأفكـار الروحية والتعاليم اللاهوتية التي أراد الإنجيلي متّى أن يُضَمِّنها هذا النص الكريم من الإنجيل المقدس ؟
المخلـــّص الشامل
إن التعليم الأسـاسي الذي أراد الإنجيلي متّى أن يُلقيه علينا من خلال هذا النص الكريم هو الآتي : إن الله دعا شعوب الأرض كافة لنيل الخلاص الذي أتى به يسوع المسـيح، وإن طفل بيت لحم، المدعو يسوع، هو المخلّص الشامل لجميع البشر بدون إستثناء وليس لليهود فقط، وهوذا المجوس ممثّلو الشعوب الوثنية، يأتون من المشرق ويتوجّهون إلى المسيح، ليسجدوا لـه، مقرّين بلاهوته، فالإنجيل المقدس هـو البشـرى السـارة لجميع البشر.
أطلـق التقليـد الغربي في القرن الميلادي السادس الأسماء الآتيـة على هـؤلاء المجـوس ” گاسـپار “ ملك من الجزيرة العربيـة و” ملكيـور “ ملـك فـارس، و” بالتـازار “ ملـك الهنود ؛ تعبّر هذه الإسـطورة التقويّة عـن جوهـر الرسـالة المسـيحانية ؛ إذ لم يكن هؤلاء المجوس يهودًا، بل كانوا يمثّلون جميع شعوب الأرض الذين من أجلهم وُلِد يسوع.
إن العهد القديم أُبرم بين الله وبين اليهـود، أما العهد الجديد الذي أبرمه يسـوع وختمه بدمه، فلقد أبرمه مع الشـعوب الساكنين في المعمورة كافّة ، كما أكّد يسـوع حينما قدّس كأس الخلاص قائلاً : ” هذا هو دمي، دم العهـد الجديد، الذي يراق من أجل جميع الناس “ (مرقس 23/14) ؛ (متّى 26/26-29 ؛ لوقا 15/22-20 ؛ 1 قور 23/11-25).
إن دعوة الخلاص المسيحانية شاملة لجميع الناس، وليس لليهود فقط.
تزداد هذه الدعوة الشـاملة إلحاحًا إزاء رفض اليهود للمسـيح، فيعلن هو نفسـه ” سوف يأتي أُناس كثيرون من المشـرق ومن المغرب، فيجالسون إبراهيم وإسـحق ويعقوب على مائدة ملكوت السـماوات “ (متّى 11/8) ؛ وأمر يسـوع تلاميذه بعبارة صريحة ليتوجّهوا إلى جميع الشـعوب ليعلنوا لهم بشـرى الخلاص، وذلك في ختام رسـالته الأرضية قائلاً : ” إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّذوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كل ما أَوصيتكم به “ (متّى 19/28-20).
كيف تحقق هذا الخلاص لهؤلاء المجوس، الذين يمثّلون شـعوب الأرض قاطبة ؟ تحقق هـذا الخلاص من خلال الأمور الثلاثة الآتية : النجم والكتاب المقدس والبيت الذي حوى يسوع ؛ كيف ذلك ؟
ماذا يعني هذا النجم الذي ظهر للمجوس ؟
إن هذا النجم هو الكوكب الذي تنبأ عنه مجوسي شرقي آخر قبل اثنى عشر قرنًا يدعى بلعام، إذ رآه يسطع فوق خِيَم يعقوب (العدد 17/24) ؛ إن نجم يسوع هو النور الذي رآه أشـعيا النبي يسطع على ” الشعب السائر في الظلمة “ (أشعيا 1/9)، إن هذا النجم هـو ” كوكـب الصباح الذي أشـرق في قلوبهم “ كمـا يقول القديس بطرس (2 بطرس 19/1).
يشرق هذا النجم للناس الذين يفتشون عنه في سـماء الإيمان، بحثًا عن الحقيقة، بحثًا عن الله.
حالما يولد إنسان في هذا العالم، يسطع نجم صغير خاص به في سمائه الداخلية، في باطنه، إنه دعوة لطيفة وإنجذاب سرّي لينطلق بحثًا عن المخلّص. إن كل إنسان، مهما كان منغمسًا في الظلام، ومهما إعتقد نفسـه بعيدًا عن الله، لا بُدَّ أن يلمع نجمه في باطنه يومًا مـا، يدعوه لينطلق ويفتش عن الله ؛ ولكن هـل تكون له الشـجاعة ليتحرر من ظلامه ويتبع هذا الإنجذاب إلى أن يجد يسوع المخلّص ؟
الكتاب المقدس
دفـع النجمُ المجوسَ ليبحثوا عن المخلّص، إلاّ أن هـذا النجم كان في حاجة إلى تفسير صائب، لكي لا يحيد الإنسـان عن الصواب ويضيع في سفسطائيات علم الفلك السـحرية وتفاسـير خاطئة، فتنازل الله وعبّر عن فكره ومخططه في كتـاب، هـو ” الكتاب المقدس “.
دخل المجوس أورشـليم، عاصمة الكتاب المقدس، وأثاروا ضجة كبيرة من خلال سـؤالهم ” أين وُلد ملك اليهود ؟ فقد رأينا نجمه في المشـرق، فجئنا لنسـجد له “ (متّى 2/2). لقد دفـع النجمُ المجوسَ ليبحثوا عن الملك، إلاّ أنه لم يتمكن أن يوصلهم إلى مكان ولادته، فأخرج أخصائيو الكتاب المقدس ملفات الأسـفار المقدسة، فوجدوا الجواب على سـؤال المجوس في القول النبوي الآتي : ” وأنتِ يا بيتَ لحمَ يهـوذا، لسـتِ أَصغر ولايات يهـوذا، فمنـكِ يخـرج الملك الذي يرعى شعبي إسـرائيل “ (ميخا 1/5 و2 ؛ 2 صموئيل 2/5) ؛ هكذا تعاون النجم (الوحي الداخلي) والكتاب المقدس (كلام الله) في قيادة خطوات المجوس إلى المخلّص، المولود في بيت لحم.
البيت
إسـتسلم المجوس لقيادة ” النجـم “ وقيادة ” الكتاب المقدس “ وساروا على هدى توجيهاتهما، فبلغوا المراد، ووصلوا إلى المدينة المسـيحانية ” بيت لحم “ حيث يوجد يسوع، ” ودخلوا البيت، فرأوا الطفلَ مع أُمِهِ مريم، فجثوا له ساجدين “ (متى 11/2).
ماهو هذا ” البيت “ الذي أشار إليه النجم ؟
ليس مهمًا إذا كان هـذا ” البيت “ مغـارة، أو دارًا مؤجّرة، أو مقر إقامة مريم ويوسف. بالنسبة إلى الإنجيلي متّى إن هذا ” البيت “ الذي نجد فيه يسـوع ومريم، وحيث نسجد ليسـوع، لا يمكن أن يكون إلاّ ” الكنيسة “ فالكنيسة هي جسد يسـوع السرّي، بيت المسيح، ولا يمكن أن نجده في مكان آخر.
هكذا بِتعاون النجم والكتاب المقدس وبيت يسوع تمكّن المجوس من الوصول إلى المسيح الملك الإله، بعد سفر طويل وشاق، والسجود وتقديم هداياهم له.
لنتبع المجوس في مسيرتهم
تشبه مسيرتنا الإيمانية نحو الله مسيرة المجوس الإيمانية نحو يسوع المخلّص.
يرسـل الله إلينا أيضًا نجوم إلهاماته ليقود خطواتنـا إليه، وبأساليب مختلفة، فهو يكلّمنـا من خلال أحداث الحيـاة، السـعيدة منها والمؤلمة، يكلّمنـا من خلال روائع الطبيعة، يكلّمنا عِبر ضميرنا الذي هو صوت الله في داخلنا، يكلّمنا من خلال أسفار الكتاب المقدس التي هي كلمة الله الحيّة والمحيية، يكلّمنا من خلال المواعظ والتفاسير التي تقدمها لنا الكنيسة المقدسة… كل هذه نجوم ساطعة وإلهامات بليغة تسـطع في سماء نفوسنا لتقودنا إلى الله. فعلينا أن نكون منتبهين ويقظين، فلا تُلهينـا أمور هذه الدنيا وتحجب عنّا رؤية هذه الكواكب. علينا كذلك أن ننقاد بفرح لإلهامات الله، ونكون على أتم إستعداد للمجازفة، فالإيمان مجازفة رائعة.
ولا نخشى غيـاب النجم عـن أنظارنـا أحيانًا، وذلك حينما نشـعر بالجفاف الروحي وعدم الرؤية الإيمانية بوضوح، لأننا على ثقة أن الله لا يتخلّى عنّا برهةً واحدة، فهو يتابع مسـيرتنا على هـذه الأرض، ويقودنـا في الطرق القويمة إلى أن يوصلنا إليه.
إن المكافأة الكبرى تنتظرنا، على مثال المجوس، أي فرحة لقاء يسـوع والسعادة التي نشعر بها حينما نكتشفه فنحبه ونطبّق وصاياه ونسجد لله.