زمن الرسل : بدء زمن الكنيسة العدد (66)
زمن الرسل : بدء زمن الكنيسة
يصدر العدد 66 من مجلة ” نجم المشرق “، في عيد مار توما الرسول بتاريخ 3 تموز 2011، في منتصف زمن الرسل، وهو أحد أزمنة السنة الطقسية المشرقية.
ان لهذا الزمن أَهمية خاصة في حياة أبناء الكنيسة، منذ بدء رسالتها التبشيرية وإلى منتهى العالم ؛ إنه يمثل منعطفًا حاسمًا في حياتها، لأنه زمن انطلاقها إلى العالم لإعلان بشرى الخلاص للبشرية، تنفيذًا لأمر المخلص ” إذهبوا في العالم كله، وأَعلنوا البشارة إلى الخلق أَجمعين “ (مرقس 15/16).
ان مهمة التبشير بالإنجيل تقع على عاتق المعمَّذين كافة : أساقفة كانوا، أم كهنة، أم رهبان، أم راهبات، أو عَلمانيين ؛ فمقياس أمانتنا للمسيح تقاس بدرجة أدائنا لهذه الرسالة، كما يقول القديس بولس : ” فاذا بَشّرتُ (بالمسيح) فليس في ذلك لي مفخرة، لأنها فريضة لا بُدَّ لي منها، والويل لي إن لم أُبَشّر ! “ (1 قور 16/9-17).
يحتـوي زمن الرسـل مناسبات عديـدة تؤكد طابع هـذه الفترة الارسالي، أهمها : أحد العَنصرة، جمعة الذهب، تذكار الإثنين والسبعين تلميذًا.
أَحد العَنصرة : إنطلاقة الكنيسة
يبدأ زمن الرسـل بنهار أَحد العَنصرة، أي بذكرى حلـول الـروح القدس على الرسل ؛ كما نقرأ في كتاب أَعمال الرسل : ” ولمَّا أَتى اليومُ الخمسون، كانوا مجتمعين كلُهم في مكان واحد، فآنطلق من السماء بغتةً دويٌّ كريح عاصفة، فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه، وظهرت لهم أَلسنة كأنها من نار قد إنقسمت فوقف على كل منهم لسان، فامتلأُوا جميعًا من الروح القدس، وأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم، على ما وهب لهم الروح القدس ان يتكلموا…
فوقف بطرس مع الأحد عشر، فرفع صوته وكلّم الناس قال : ” … إن يسوع الناصري… الذي قتلتموه… قد أَقامه الله وأنقذه من أهوال الموت… فيسوع هذا قد أقامه الله، ونحن بأجمعنا شهود على ذلك…
فقالـوا لبطرس ولسائـر الرسـل : ” ماذا نعمل، أيها الأخوة، فقال لهم بطرس : ” توبوا، وليعتمد كل منكم باسم يسوع المسيح… فاعتمدوا، فانضمَّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس “ (أعمال 1/2-41).
ان أحد العَنصرة هو بداية زمن الكنيسة التي وُلدت بفعل الروح القدس. حالما حَلَّ الروح القدس على التلاميذ، إنقلب هؤلاء من تلاميذ لمعلم مصلوب إلى رسل الرب القائم من بين الأموات، مبشرين بإنجيل الفرح وبرجاء الخلاص لجميع الأمم.
هذا ما حدث في يوم حلول الروح القدس على التلاميذ، إذ إنضمّ إلى الكنيسة الناشئة، بعد خطبة القديس بطرس الأولى، ثلاثة آلاف شخص، وكان من بيـن هؤلاء حجـاج أَتوا من ” بلاد بين الـنهرين “ (أعمال 9/2)، لا بُدَّ أن هؤلاء المهتدين الجدد عادوا إلى أهلهم وبلادهم حيث نشروا إيمانهم المسيحي، هكذا يمكننا القول أن الدين المسيحي إنتشر في بلادنا منذ القرن الميلادي الأول.
تؤكّد الصلوات التي نرتلها يوم عيد العَنصرة ان الكنيسة إنطلقت إلى العالم بعد حلول الروح القدس. نورد هنا ترجمة لترتيلة، كمثال على ذلك : ” المجد لك، يا مخلصنا، إذ أَرسلت الروح القدس على تلاميذك، وبواسطته بشّروا الشعوب كلها “ (حوذرا، الجزء 3، ص60).
جمعة الذهب
نسمي الجمعة التي تلي أَحد العَنصرة بـ ” جمعة الذهب “، يشرح حنانا الحديابي، أحد كتبة كنيسة المشرق، الذي كان المدير السادس لمدرسة نصيبين (572-610م) أصل هذه الجمعة، انها مرتبطة بالمعجزة التي اجترحها الرسولان بطرس ويوحنا، وهي شفاء المقعد الجالس على عتبة هيكل اورشليم مستعطيًا، إشارة إلى جواب القديس بطرس الآتي : ” لا فضة لي ولا ذهب، ولكن أَعطيك ما عندي : باسم يسوع الناصري امشِ… فقام ووثب وأخذ يمشي “ (أعمال 1/3-10).
يبرز كتاب الصلاة لمدار السنة الطقسية (حوذرا) هذه المعجزة الأولى التي اجترحها الرسول بطرس بعد قيامة المسيح، مؤكدًا انه يجب الإحتفال بهذه الجمعة كأحد الأعياد (حوذرا، الجزء 3، ص85).
ان المزمور 118 (قانونا) الذي يلي جلسـة الصلاة (موتبا) له الردة الآتية : ” طوبى للرسولين القديسين شمعون ويوحنا، إذ بالقوّة التي نالوا من سيدهم شفوا المرضى “ (حوذرا 3، ص89).
هناك علاقة وطيدة بين مهمة الرسل التبشيرية وبين المعجزات التي كان الله يجترحها على أيديهم، إن هذه المعجزات كانت تؤيد البشارة التي كانوا ينادون بها، إذ كانت البرهان الساطع على صدق هذه البشارة، كما يقول القديس مرقس في ختام إنجيله : ” فذهب أولئك (الرسل) يبشرون في كل مكان، والربُّ يعمل معهم ويؤيد كلمته بما يصحبها من الآيات “ (مرقس 20/16).
تذكار الإثنين والسبعين تلميذًا
لم يحصر يسوع مهمة التبشير بالإنجيل بالرسل الاثني عشر، بل كلّف 72 تلميذًا كما نقرأ في بشارة القديس لوقا : ” وبعد ذلك، أَقام الرب إِثنين وسبعين تلميذًا آخرين، وأَرسلهم اثنين اثنين يتقدمونه إلى كل مدينة أو مكان أوشك هو أن يذهب إليه، وقال لهم : … اذهبوا فهاءَنذا أُرسلكم كالحملان بين الذئاب… وقولوا للناس : قد اقترب منكم ملكوت الله… ورجع التلاميذ الاثنان والسبعون وقالوا فرحين : ” يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك… “ (لوقا 1/10-20).
من بين هؤلاء التلاميذ القديس أدي، أحد الإثنين والسبعين تلميذًا، توجه إلى الرها بعد صعود يسوع المسيح إلى السماء، وهناك شفى ملكها أَبجر من مرض عضال ومنحه العماذ المقدس، ونصّر أَهل بيته وكثيرين آخرين من سكان هذه المنطقة.
وكان لأدي تلاميذ عديدون، منهم ماري، الذي كان مزدانا بمحبة الله والسيرة الفاضلة، اقتبل الرسامة من أدي نفسه، وأرسله إلى بلاد بابل ليبشّر بكلمة الرب.
كرست ليتورجيا كنيسة المشرق الجمعة السابقة والأخيرة من زمن الرسل للإحتفال بتذكـار الإثنين والسبعين تلميذًا، الصلاة الفرضيـة في هذه الجمعـة أكثر غنى من مراسيم آحاد هذا الزمن، في ما يأتي ترجمة الردة والبيت الثاني من المدراش الأول لصلاة السهرة :
الردة ” مبارك ذاك الذي عظم تذكار الرسل أَحباء المسيح “.
البيت الثاني ” اليوم، وفي نهاية الصوم، هيذي الكنيسة المقدسة تبتهج وتسبح بأصوات المجد ابن الله الذي عظمكم، يا معلمي البشر جميعًا، باسم الآب والابن والروح القدس، أنتم الذين جعلتم جميع البشر يهتدون إلى حظيرة كلمة الحياة… “.
العَنصرة المستمرة
ان الروح القدس هو الطاقة التي تنعش الكنيسة عبر العصور والأجيال كلها، فهو حاضر في أبنائها في كل حين، أمس واليوم وإلى الأبد.
فليعلن المؤمنون كلمة الله بجرأة، لأنهم بعماذهم أصبحوا جميعًا رسل المسيح، كلٌ في محيطه، وكل ضمن دعوته الخاصة، لأن الله يدعو البعض ليواصلوا نشر البشرى السارة من على منابر الكنائس، والبعض الآخر على صفحات الكتب والمجلات وسائر وسائل الاعلام، أو من خلال التعليم المسيحي، أو من خلال شهادة الحياة المسيحية في المجتمع.