رأس السنة الميلادية هو عيد اسم ” يسوع “ العدد (40)
يحي طقسنا الكلداني في اليوم الأول من السنة الميلادية الجديدة ذكرى مراسيم مهِمّة جرت للمسيح في اليوم الثامن من ميلاده الميمون، ألا وهي مراسيم الختان وإطلاق اسم ” يسوع “ عليه، كما يقول الإنجيلي لوقا : ” ولما تمت ثمانيةُ أيام ليُختَنَ الصبي، دُعيَ اسمُهُ يسوع “ (لوقا 21/2).كانت هذه الطقوس تجري لكل مولود ذكر من مواليد شعب الله، كما نقرأ في سفر التكوين (9/17-14)، ولقد خضع يوحنا المعمذان للرتبة نفسها : ” ولما كان اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وكانوا يدعونه باسـم أبيه زكريا، فأجابت أُمُهُ وقالت لهم : كلا لكنه يُدعى يوحنا… “ (لوقا 59/1-63).يمكن مقارنة مفاعيل رتبة الختان بمفاعيل رتبة العماذ المسيحي، كما إن المرء من خلال المعموذية ينتمي إلى شعب الله الجديد أي الكنيسـة، كذلك بواسطة رتبة الختـان ينتمي اليهودي رسميًا إلى شـعب الله القديم، ويصبح أحد أفراده، ويُطلق عليه اسـم يعبّر عن الرسـالة الخاصة التي يضعها الله على عاتقـه، وتُعبّر عن هويته الشخصية، لذا حينما يختار الله شخصًا لمَهَمَّة خاصة يمنحه إسمًا خاصًا كما في حالة أبينا إبراهيم (تكوين 5/17) وأبينا إسحق (تكوين 19/17).أَبعاد ” الأسماء “ في حياة البشرما دام يدعو شخصان يلتقيان الواحدُ الآخر بعبارات عامة كالعبارات الآتيـة : ” يا سيد، يا سـيدة، يا عمي، يا خالة، يا أخونـا …إلخ “، فانهما يبقيان غريبَيْن الواحدُ عن الآخر، ويحتفظ كل واحد منهما بحرية مطلقة إزاء الآخر، فلا يسمح أحدهما للآخر أن يتعرّف هويتَه، ولا يرتبط بأي نوع من علاقات الصداقة، فيبتعد الواحد عن الآخر بدون أي التزام أو رغبة في اللقاء ثانيةً.ولكن حينما يكشف شخص ما عن اسمه للآخر ويسمح له ليدعوه باسمه الخاص، فهذا الأمر يترك أثرًا حاسمًا في علاقتهما، لأنه بهذا يمنحه ثقته الخاصة، ويدخل معه في علاقة صداقة، ويرتبط الاثنان بوثُق الأخوّة والتعاون.الله كشف لنا عن اسمه الخاصفي مثل هذا اليوم كشف الله لنا عن اسمه الخاص، وطلب منا أن ندعوه بهذا الاسم المقدس، وبهذا منحنا ثقته المطلقة، وأراد أن يدخل معنا في صداقة حميمة.فما هو هذا الاسم ؟الكثير من الناس يطلقون عليه عبارة ” الله “، إنه أمر صالح وجيد، ولكن هذا الاسم يبقى عامًا، لأن الأديان كافّة تؤمن ” بإله “ وتطلق على جميع الآلهة كناية ” الله “. أما بالنسبة إلينا، فإسم الله الحقيقي قد كُشف لنا في مثل هذا اليوم : إنه ” يسوع “.ان هذا الاسم المقدس لم يُخترع يوم ختان المسيح، إذ كان موجودًا قبل ولادته، فقد قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم يوم البشارة : ” لا تخافي يا مريم، فانكِ قد وجدتِ نعمةً عند الله، وها إٍنك تقبلين حبلاً وتلديـن ابنًا وتدعين اسـمه يسوع “ (لوقا 31/1)، وهذا ما أكده الملاك نفسه للقديـس يوسف يوم ظهوره له : ” يا يوسُفَ ابنَ داود، لا تخف أن تأخذ مريمَ امرأتك فان المولـود فيها هو من روحِ القدس، وستلدُ ابنًا وتدعو اسمه يسوع “ (متى 21/1).يؤكد القديس بولس على بُعد اسم ” يسوع “ الإلهي قائلاً : ” كيما تَجثُوَ لاسم يسوع كلُّ رُكبةٍ في السموات وفي الأرض وتحتَ الأرض ويشهد كلُّ لسانٍ أن يسوعَ المسيحَ هو الربّ تمجيدًا لله الآب “ (فيلبي 10/2-11).اسم ” يسوع “ كشف لنا عن هوية الربقدّم الملاك جبرائيل، أثناء ظهوره للقديس يوسف، تفسـيرًا لاسم ” يسـوع “ قائلاً : ” …ستلِدُ (العذراء مريم) ابنًا وتدعو اسمَهُ يسوع لانه هو يخلِّص شعبَهُ مـن خطايــاهـــــم “ (متى 21/1) ؛ وأكّد الملاك للرعاة، حين ظهر لهم ليبشرهم بالميـلاد العجيـب، هوية الرب الخلاصيـة قائـلاً : ” قـد وُلـدَ لكـم اليـومَ مخلِّص وهو الـربُّ المسـيح “ (لوقا 11/2). إن كلمة ” يسوع “ إسم علم مركب معناه ” الله يخلّص “.هكذا اسم ” يسوع “ يكشـف عن سر شـخصية المسيح، إنه إلهنـا الذي أتى أرض البشر ليخلّصهم من براثن الشر والخطيئة، ويحررهم من عبودية الإثم.كان النـاس قديمًا يعتقدون أن الله سـيتجلّى ليجازي الصالحين خيـرًا ويكافئ الخاطئين عقابًا. ولكـن إلهنا ” يسـوع “، أي ” الله يخلّص “ فاجأ العالم وأثـار استغرابهم، إذ أتى من أجل الخطأة ليغفر لهم زلاّتهم، وعبّر عن هويته الخلاصية من خلال موقفـه إزاء الخطأة النادميـن : إذ بدأ بدعـوة الخاطئين إلى التوبـة قائلاً : ” توبوا، قد اقتـرب ملكوت السـماوات “ (متى 17/4) ؛ ومارس سـلطان مغفرة الخطايا، إذ غفر لمُقعد كفرناحوم (مرقس 1/2-12)، وغفر خطايـا مقعد آخر (متى 1/9-9)، وللمرأة الخاطئة في بيت سمعان الفريسي (لوقا 36/7-50)، ولزكا العشّار (لوقا 1/19-10)، وللص اليمين (لوقا 39/23-43)، وغفر لصالبيـه وهو معلّق على الصليب (لوقا 33/23-34) ؛ وعبّر عن اسـتعداده لمنح غفران للتائبيـن عِبر أمثلة عديـدة، كمثـل الإبن الضـال (لوقا 11/15-32) ومثـل الخـروف الضـال (متى 12/18-14) والدرهم المفقود (لوقا 8/15-10).يكمن خلاص يسـوع في إصلاح ما فسد في الانسـان، وترميم ما تصدّع في طبيعته الجميلة، ووضعه في المسـار القويم، الذي يؤدّي إلى السعادة الحقيقية مع الله أبيه، إذ كان الانسان عاجزًا عن تحقيق هذا الخلاص وهذه الاهداف وحده.ليظلِّل اسم ” يسوع “ على سنتنا الجديدةلنجعل هذا اليوم الأول من السنة عيدًا لإسم ” يسوع “، فنضع أنفسنا خلال أشهرها وأسابيعها وأيامها تحت حماية يسوع المخلص ليحقق أمانينا الصالحة.ليكن شعارنا طيلة هذه السنة البحث عن يسوع واكتشاف هذا الإله المخلص من خلال تأملنا المتواصل في صفحات الكتـاب المقدس، لنزداد إيمانًا به، ونُجسّم وصاياه في مفردات حياتنا اليومية، وبهذا سيتحقق الخلاص والسعادة في حياتنا.كان آباؤنـا قديمًا وما زال المؤمنون الأتقيـاء حاضرًا يبدؤون نهارهـم وكلّ أشغالهم وأعمالهم باسم يسـوع… فجديرٌ بنا أن نقتدي بهؤلاء الأجداد الذين نقلوا إلينا إيمانهم، وبمعاصرينا من المسيحيين الصالحين.لنبدأ هذه السنة الميلاديـة الجديدة وأعيننا تتطلع إلى يسـوع المخلص، وقلوبنا عامرة بالإيمان وبالطمأنينة وبالثقة المطلقة بحنانه الأبوي، فهو سيرعانا ويحرسنا ولن يهملنا في كل الظروف، السهلة منها والصعبة.لنضع أنفسنا وأهلنا وأعزاءنا ومشاريعنا وآمالنا بين يديه القديرتين والحنونتين ليحققها، فهو سيمسح كل دمعة جرت وتجري من مآقينا، ويحوّل كل الأحداث إلى وسائل تُحقق قداسـتنا وسعادتنا بالرغم من كل الصعاب، ويغدق السـلام والأمان والإستقرار على بلدنا الحبيب – العراق.