الافتتاحية
خميس الفصح ” إصنعوا هذا لذكري العدد (69)
خميس الفصح
” ” إصنعوا هذا لذكري “
(لوقا 22 / 19)
أَسس يسوع المسيح، أَثناء عشائه الفصحي الأخير، سر القربان المقدس، ووضع أُسس الإحتفال بالقداس المسيحي، حينما تلا بركة خاصة على الخبز، فقدّسه وحوّله إلى جسده، ثم ناوله تلاميذه، كما يقول الإنجيلي متى : ” وفيما هم يأكلون، أَخذَ يسوع خبزًا، وبارك (أي قال صلاة البركة)، وكسر وأعطى تلاميذه قائلاً : خذوا كلوا هذا هو جسدي “ (متى 26/26) ؛ ثم تلا يسوع بركة شكر خاصة على الخمر، وقدسه، وحوله إلى دمه، ثم ناوله تلاميذه، إذ يستطرد البشير متى قائلاً : ” ثم أَخذ كأسًا وشكر (أي تلا بركة الشكر) وأعطى تلاميذه قائلاً : إشربوا منها كلكم، فإن هذا هو دمي، دم العهد، الذي يهراق عن كثيرين لمغفرة الخطايا “ (متى 27/26-28).
لم يكتفِ يسوع بتقديس الخبز والخمر وتحويلهما إلى جسده ودمه، ولم تقتصر وصيته لتلاميذه على تناول الخبز والخمر المقدسين، بل أَصدر أمرًا هامًا لهم، يخلّد عمله الخلاصي عبر القرون والأجيال البشرية، حينما أمرهم بتكـرار هـذه المعجزة الروحيـة، أي بتقديـس الـخبـز والخمـر قائلاً : ” إصنعـوا هـذا لذكـري “ (لوقا 19/22)، (1 قور 25/11).
نفذ أَبناء الكنيسة الناشئة وصية يسوع بتقديس الخبز والخمر خلال رتبة القداس التي أَقاموها بعد صعوده إلى السماء مباشرةً، كما يعلمنا القديس لوقا في سفر أَعمال الرسل، في آيات عديدة، منها : ” وكانوا مواظبين على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبـــز والــصلـوات “ (أعمـال 42/2، 46) ؛ ” واجتمعـنا يـوم الأحد لكسـر الخبـز “ (أعمال 7/20).
استمر المسيحيون تنفيذ أمر الرب هذا عبر الأجيال كلها، كل نهار أحد أو عيد، لا بل كل يوم من أيام السنة، وفي أَربع أقطار المعمور.
ما هو الهدف الذي توخاه يسوع المسيح من الأمر الذي أَصدره لتلاميذه بتكرار تقديس الخبز والخمر وتناولهما عبر العصور، وحتى منتهى العالم ؟
إن الغاية التي من أَجلها أَمر يسوع المسيح المؤمنين به تكرار تقديس الخبز والخمر أَثناء إقامة القداس هو إقامة ذكراه. نقل لنا الإنجيلي لوقا أَمر الرب بعد تقديس الخبز قائلاً : ” ثم أَخذ خبزًا وشكر وكسره وناولهم إياه وقال : ” هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري “ (لوقا 19/22-20) ؛ ذكر القديس بولس أمر الرب هذا مرتين في رسالته الأولى إلى أهل قورنثس : المرة الأولى بعد تقديس الخبـز : ” قال (يسـوع) هذا هو جسـدي، إنه من اجلكـم. إصنعوا هذا لذكري “ (1 قور 24/11)، وفي المرة الثانية بعد تقديس يسوع الكأس قائلاً : ” هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلما شربتم فاصنعوه لذكري “ (1 قور 25/11).
فما هو مفهوم ” الذكر “ الذي طلب يسوع من رسله إقامته أثناء عشائه الفصحي الأخيـر ؟ وما هي الأحداث التي يريـد منّا الـرب أن نحيي ذكـراها في مراسيم القداس ؟
مفهوم” الذكر “ في العهد القديم
لكي نتمكن من استيعاب مفهوم ” ذكر “ يسوع الوارد في الأمر الذي أَصدره لتلاميذه أثناء قيامه بمراسيم العشاء الفصحي اليهودي للمرة الأخيرة، علينا أن نبحث عن معنى ” الذكر “ في العشاء الفصحي اليهودي، الذي كانوا يقيمونه تنفيذًا لأمر الرب القائل : ” تحفظون هذا الأمر فريضةً لكم ولبنيكم للأبد. واذا دخلتم الأرض التي يعطيكم الرب إياها كما قال، تحفظون هذه العبادة. وإذا قال لكـم بنوكـم : ما هـذه العبادة في نظركم ؟ فقولوا : هي ذبيحة فصح الرب الذي عبر عن بيوت بني اسرائيل، حين ضرب المصريين وخلص بيوتنا “ (خروج 24/12-27).
في مساء عيد الفصح، كانت كل اسرة تأتي بحَمَلٍ إلى هيكل أورشليم، فيذبحونه عند غروب الشمس، ويحرقون جزءًا منه في الهيكل ويأتون بالباقي إلى بيوتهم ويهيئونه للعشاء الفصحي، وقد نظمت التقاليد اليهودية هذا العشاء بدقة كبيرة.
إن هدف إقامة العشاء الفصحي كان ولا يزال رفع الشكر لله من أجل الخلاص واحياءً لذكر التحرر من عبودية مصر.
ليس هذا ” الذكر “ التذكير بحدث جرى في الماضي السحيق، ولم يعد له علاقة بالحاضر، انما التذكير أن مفاعيل هذا التحرر وهذا الخلاص يشمل كل اليهود عبر أجيالهم كلها، كما تقول الصلاة التي يتلوها رب الأسرة خلال إقامة هذه المراسيم :
” إن القدوس لم يخلص آباءَنا حسبُ، بل حررنا نحن معهم أيضًا “.
إذن على كل الأجيال اليهودية أن تحسب نفسها مخلَّصة مع آبائها، فهذا الخلاص يشملهم جميعًا، فليس الفصح ذكرى حدث جرى في الماضي فقط، بل هو حدث مستمر يشمل الماضي والحاضر والمستقبل عبر مفعوله في حياة الشعب.
إقـرأ مـا ورد بهـذا الخصـوص في كتاب ” التعليـم المسيحـي للكنيسـة الكاثوليكية – الرقم 1363 “.
مفهوم” ” الذكر ““ في العهد الجديد
إن مفهوم ” الذكر “ في العهد الجديد شبيه بمفهوم ” الذكر “ في العهد القديم.
إذًا نتساءَل : ” ما هي الأحداث التي يريد منا يسوع إحياء ذكرها بقوله : إصنعوا هذا لذكري ؟ “.
يجيبنا القديس بولس في رسالته الأولى إلى أَهل قورنثس قائلاً : ” إنكم كلما أَكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يأتي “ ( 1 قور 26/11).
حينما قال يسوع : ” إصنعوا هذا لذكري “ أراد أن يطلب منا أن نحيي ذكرى كل ما صنعه خلال حياته الأرضية من أجل خلاص العالم، أي تجسده في أَحشاء مريم العذراء يوم البشارة، وعماذه وكرازته ومعجزاته وموته على الصليب وقيامته الظافرة في اليوم الثالث وحتى مجيئه الثاني المجيد ؛ وبعبارة وجيزة أنه ذكر مراحل تدبير الخلاص كلها، أي لكل ما صنعه الله للإنسان منذ الخلق وحتى الخلاص بيسوع المسيح.
حينما قال يسوع : ” اصنعوا هذا لذكري “، لم يرد أن يقول لنا : أحيوا ذكرى حـدث واحد جـرى في الماضي، لا علاقة له بالحاضـر ولا بالمستقبـل، إنّ هذا ” الذكر “ ليس مجرد عودة إلى الماضي، بل هو إحتفال جعل من الحدث التأريخي الخلاصي حدثًا حاضرًا يشمل البشر جميعًا، أي أولئك الذين عاصروا يسوع والذين سيحتفلون به عبر القرون، فالخلاص يشملهم جميعًا، إنّ هذا ” الذكر “ هو حاضر مستمر، له قيمة دائمة لهذا الحدث الذي جرى في الماضي.
” فالذكر “ لاهوتيًا ليس مجرد دعوة للتطلع إلى الماضي، بل هو إختزال الماضي والحاضر والمستقبل في حاضر مستمر، أي أن مفعوله الخلاصي يشمل البشر جميعًا في أي زمن عاشوا وفي أي بقعة من الأرض وُجدوا.
القداس هو ” ”ذكر “ مراحل تدبيـر الخلاص كلها
هكذا يمكننا القول إننا حين نحتفل بالقداس الإلهي، لا نحيي حدثًا واحدًا من حياة يسوع فقط، أي موته على الصليب، بل نحيي ذكر مراحل تدبير الخلاص كلها، أي كل ما صنعه يسوع ليحقق خلاصنا منذ تجسده في أَحشـاء مريـم العـذراء وولادته وعماذه وكرازته ومعجزاته وموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث والتطلع إلى مجيئه الثاني في آخر الزمان.
هذا مـا تعبـر عنه صلـوات القـداس في مختلف الطقـوس ؛ ففي طقـس كنيسـة المشرق الكلدانيـة – الآثوريـة، تقـول صلاة الإنحناءَة الثانية في القداس الثالث ما يأتي : ” إذ نذكر هذا الخلاص الذي تحقق من أجل خلاصنا… نذكر تدبيره العجيب الذي أنجزه من أجلنا عبر الميلاد والعماذ والصليب والآلام والموت والقبر والقيامة في اليوم الثالث والصعود إلى السماء والجلوس عن اليمين والمجيء الثاني لربنا وإلهنا يسـوع المسيـح عندنـا، ليديـن الأحياء والأمـوات ويكـافىء كـل واحد حسب أعماله “.
في الطقس السرياني، يعلق الكاهن بعد سرد العشـاء الرباني، على قول الرب : ” اصنعوا هذا لذكـري “ : إننا إذ نذكـر، يا رب، وصيتـك الخلاصيـة وكل تدبيرك لأجلنا : أي صلبك وموتـك ودفنـك وقيامتـك في اليـوم الثالث من بيـن الأموات وصعودك إلى السماء وجلوسك عن يمين عظمة الآب ومجيئك الثاني المجيد لتدين الأحياء والأموات وتجازي برأفة كل إنسان حسب أَعماله “.
عيد القيامة المجيد
الأحد 8 نيسان 2012
” ” إصنعوا هذا لذكري “
(لوقا 22 / 19)
وصية يسوع في عشائه الفصحي الأخيـر
أَسس يسوع المسيح، أَثناء عشائه الفصحي الأخير، سر القربان المقدس، ووضع أُسس الإحتفال بالقداس المسيحي، حينما تلا بركة خاصة على الخبز، فقدّسه وحوّله إلى جسده، ثم ناوله تلاميذه، كما يقول الإنجيلي متى : ” وفيما هم يأكلون، أَخذَ يسوع خبزًا، وبارك (أي قال صلاة البركة)، وكسر وأعطى تلاميذه قائلاً : خذوا كلوا هذا هو جسدي “ (متى 26/26) ؛ ثم تلا يسوع بركة شكر خاصة على الخمر، وقدسه، وحوله إلى دمه، ثم ناوله تلاميذه، إذ يستطرد البشير متى قائلاً : ” ثم أَخذ كأسًا وشكر (أي تلا بركة الشكر) وأعطى تلاميذه قائلاً : إشربوا منها كلكم، فإن هذا هو دمي، دم العهد، الذي يهراق عن كثيرين لمغفرة الخطايا “ (متى 27/26-28).
لم يكتفِ يسوع بتقديس الخبز والخمر وتحويلهما إلى جسده ودمه، ولم تقتصر وصيته لتلاميذه على تناول الخبز والخمر المقدسين، بل أَصدر أمرًا هامًا لهم، يخلّد عمله الخلاصي عبر القرون والأجيال البشرية، حينما أمرهم بتكـرار هـذه المعجزة الروحيـة، أي بتقديـس الـخبـز والخمـر قائلاً : ” إصنعـوا هـذا لذكـري “ (لوقا 19/22)، (1 قور 25/11).
نفذ أَبناء الكنيسة الناشئة وصية يسوع بتقديس الخبز والخمر خلال رتبة القداس التي أَقاموها بعد صعوده إلى السماء مباشرةً، كما يعلمنا القديس لوقا في سفر أَعمال الرسل، في آيات عديدة، منها : ” وكانوا مواظبين على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبـــز والــصلـوات “ (أعمـال 42/2، 46) ؛ ” واجتمعـنا يـوم الأحد لكسـر الخبـز “ (أعمال 7/20).
استمر المسيحيون تنفيذ أمر الرب هذا عبر الأجيال كلها، كل نهار أحد أو عيد، لا بل كل يوم من أيام السنة، وفي أَربع أقطار المعمور.
ما هو الهدف الذي توخاه يسوع المسيح من الأمر الذي أَصدره لتلاميذه بتكرار تقديس الخبز والخمر وتناولهما عبر العصور، وحتى منتهى العالم ؟
إن الغاية التي من أَجلها أَمر يسوع المسيح المؤمنين به تكرار تقديس الخبز والخمر أَثناء إقامة القداس هو إقامة ذكراه. نقل لنا الإنجيلي لوقا أَمر الرب بعد تقديس الخبز قائلاً : ” ثم أَخذ خبزًا وشكر وكسره وناولهم إياه وقال : ” هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري “ (لوقا 19/22-20) ؛ ذكر القديس بولس أمر الرب هذا مرتين في رسالته الأولى إلى أهل قورنثس : المرة الأولى بعد تقديس الخبـز : ” قال (يسـوع) هذا هو جسـدي، إنه من اجلكـم. إصنعوا هذا لذكري “ (1 قور 24/11)، وفي المرة الثانية بعد تقديس يسوع الكأس قائلاً : ” هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلما شربتم فاصنعوه لذكري “ (1 قور 25/11).
فما هو مفهوم ” الذكر “ الذي طلب يسوع من رسله إقامته أثناء عشائه الفصحي الأخيـر ؟ وما هي الأحداث التي يريـد منّا الـرب أن نحيي ذكـراها في مراسيم القداس ؟
مفهوم” الذكر “ في العهد القديم
لكي نتمكن من استيعاب مفهوم ” ذكر “ يسوع الوارد في الأمر الذي أَصدره لتلاميذه أثناء قيامه بمراسيم العشاء الفصحي اليهودي للمرة الأخيرة، علينا أن نبحث عن معنى ” الذكر “ في العشاء الفصحي اليهودي، الذي كانوا يقيمونه تنفيذًا لأمر الرب القائل : ” تحفظون هذا الأمر فريضةً لكم ولبنيكم للأبد. واذا دخلتم الأرض التي يعطيكم الرب إياها كما قال، تحفظون هذه العبادة. وإذا قال لكـم بنوكـم : ما هـذه العبادة في نظركم ؟ فقولوا : هي ذبيحة فصح الرب الذي عبر عن بيوت بني اسرائيل، حين ضرب المصريين وخلص بيوتنا “ (خروج 24/12-27).
في مساء عيد الفصح، كانت كل اسرة تأتي بحَمَلٍ إلى هيكل أورشليم، فيذبحونه عند غروب الشمس، ويحرقون جزءًا منه في الهيكل ويأتون بالباقي إلى بيوتهم ويهيئونه للعشاء الفصحي، وقد نظمت التقاليد اليهودية هذا العشاء بدقة كبيرة.
إن هدف إقامة العشاء الفصحي كان ولا يزال رفع الشكر لله من أجل الخلاص واحياءً لذكر التحرر من عبودية مصر.
ليس هذا ” الذكر “ التذكير بحدث جرى في الماضي السحيق، ولم يعد له علاقة بالحاضر، انما التذكير أن مفاعيل هذا التحرر وهذا الخلاص يشمل كل اليهود عبر أجيالهم كلها، كما تقول الصلاة التي يتلوها رب الأسرة خلال إقامة هذه المراسيم :
” إن القدوس لم يخلص آباءَنا حسبُ، بل حررنا نحن معهم أيضًا “.
إذن على كل الأجيال اليهودية أن تحسب نفسها مخلَّصة مع آبائها، فهذا الخلاص يشملهم جميعًا، فليس الفصح ذكرى حدث جرى في الماضي فقط، بل هو حدث مستمر يشمل الماضي والحاضر والمستقبل عبر مفعوله في حياة الشعب.
إقـرأ مـا ورد بهـذا الخصـوص في كتاب ” التعليـم المسيحـي للكنيسـة الكاثوليكية – الرقم 1363 “.
مفهوم” ” الذكر ““ في العهد الجديد
إن مفهوم ” الذكر “ في العهد الجديد شبيه بمفهوم ” الذكر “ في العهد القديم.
إذًا نتساءَل : ” ما هي الأحداث التي يريد منا يسوع إحياء ذكرها بقوله : إصنعوا هذا لذكري ؟ “.
يجيبنا القديس بولس في رسالته الأولى إلى أَهل قورنثس قائلاً : ” إنكم كلما أَكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يأتي “ ( 1 قور 26/11).
حينما قال يسوع : ” إصنعوا هذا لذكري “ أراد أن يطلب منا أن نحيي ذكرى كل ما صنعه خلال حياته الأرضية من أجل خلاص العالم، أي تجسده في أَحشاء مريم العذراء يوم البشارة، وعماذه وكرازته ومعجزاته وموته على الصليب وقيامته الظافرة في اليوم الثالث وحتى مجيئه الثاني المجيد ؛ وبعبارة وجيزة أنه ذكر مراحل تدبير الخلاص كلها، أي لكل ما صنعه الله للإنسان منذ الخلق وحتى الخلاص بيسوع المسيح.
حينما قال يسوع : ” اصنعوا هذا لذكري “، لم يرد أن يقول لنا : أحيوا ذكرى حـدث واحد جـرى في الماضي، لا علاقة له بالحاضـر ولا بالمستقبـل، إنّ هذا ” الذكر “ ليس مجرد عودة إلى الماضي، بل هو إحتفال جعل من الحدث التأريخي الخلاصي حدثًا حاضرًا يشمل البشر جميعًا، أي أولئك الذين عاصروا يسوع والذين سيحتفلون به عبر القرون، فالخلاص يشملهم جميعًا، إنّ هذا ” الذكر “ هو حاضر مستمر، له قيمة دائمة لهذا الحدث الذي جرى في الماضي.
” فالذكر “ لاهوتيًا ليس مجرد دعوة للتطلع إلى الماضي، بل هو إختزال الماضي والحاضر والمستقبل في حاضر مستمر، أي أن مفعوله الخلاصي يشمل البشر جميعًا في أي زمن عاشوا وفي أي بقعة من الأرض وُجدوا.
القداس هو ” ”ذكر “ مراحل تدبيـر الخلاص كلها
هكذا يمكننا القول إننا حين نحتفل بالقداس الإلهي، لا نحيي حدثًا واحدًا من حياة يسوع فقط، أي موته على الصليب، بل نحيي ذكر مراحل تدبير الخلاص كلها، أي كل ما صنعه يسوع ليحقق خلاصنا منذ تجسده في أَحشـاء مريـم العـذراء وولادته وعماذه وكرازته ومعجزاته وموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث والتطلع إلى مجيئه الثاني في آخر الزمان.
هذا مـا تعبـر عنه صلـوات القـداس في مختلف الطقـوس ؛ ففي طقـس كنيسـة المشرق الكلدانيـة – الآثوريـة، تقـول صلاة الإنحناءَة الثانية في القداس الثالث ما يأتي : ” إذ نذكر هذا الخلاص الذي تحقق من أجل خلاصنا… نذكر تدبيره العجيب الذي أنجزه من أجلنا عبر الميلاد والعماذ والصليب والآلام والموت والقبر والقيامة في اليوم الثالث والصعود إلى السماء والجلوس عن اليمين والمجيء الثاني لربنا وإلهنا يسـوع المسيـح عندنـا، ليديـن الأحياء والأمـوات ويكـافىء كـل واحد حسب أعماله “.
في الطقس السرياني، يعلق الكاهن بعد سرد العشـاء الرباني، على قول الرب : ” اصنعوا هذا لذكـري “ : إننا إذ نذكـر، يا رب، وصيتـك الخلاصيـة وكل تدبيرك لأجلنا : أي صلبك وموتـك ودفنـك وقيامتـك في اليـوم الثالث من بيـن الأموات وصعودك إلى السماء وجلوسك عن يمين عظمة الآب ومجيئك الثاني المجيد لتدين الأحياء والأموات وتجازي برأفة كل إنسان حسب أَعماله “.
عيد القيامة المجيد
الأحد 8 نيسان 2012