جوزفين بَخيتا (95)
جوزفين بَخيتا : من العبودية
إلى القداسة
(1869-1947 م)
رئيس التحرير
تقدّم الحياة المسيحية المثالية التي عاشتها العبدة الأفريقية جوزفين بَخيتا مثالاً رائعًا لمسيحيي عصرنا، عبر خمسين سنة عاشتها في العالم وفي الرهبنة.
بتاريخ 17 ايار 1992 أَعلنها البابا يوحنا – بولس الثاني طوباوية.
في شهر تشرين الأول عام 2000 رقاها البابا يوحنا بولس الثاني إلى أَعلى درجة في الكنيسة الكاثوليكية، أي القداسة، وذلك في ساحة كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان، أمام عدد كبير من الكرادلة والمطارنة والكهنة والرهبان والراهبات والآف المؤمنين.
فما خبر هذه القديسة السوداء ؟
ولادتها ونشأتها
لا نعرف الإسم الأَفريقي للقديسة جوزفين بَخيتا : ولا تاريخ ميلادها الدقيق، إنما نعرف أَنها ولدت في قرية صغيرة تُدعى أولجوسا من مقاطعة دارفور – جنوب السودان، حوالي سنة 1869 م. وكان لها ثلاثة إخوة وأربع أخوات. كانت واحدة منهنَّ أُختها التوأم.
كان السودان سوقًا نشطًا لعمليات الغزو وخطف السود وتحويلهم عبيدًا. هاجم يومًا تجار العبيد قرينها وتمكنوا من خطف أختها البكر.
تعرضت بخيتا لمصير أختها نفسه عام 1870 م، وهي في السابعة من عمرها، وسيقت هي الأخرى للعبودية وبيعت في الخرطوم مرات عديدة في الأسواق، وتعرّضت للتعذيب والترهيب، مما أَنساها إسمها الأفريقي، فأعطاها خاطفوها إسم " بخيتا " أَي " المحظوظة ".
بلغ بها مطاف العبودية لدى جنرال عثماني، ثم باع عبيده كلهم بسبب سفره إلى بلد آخر. وهكذا باع العبدة بخيتا إلى القنصل الإيطالي Michieli.
الحياة الجديدة في إيطاليا
كان القنصل الإيطالي رجلاً طيبًا، فلم يعذّبها، ولم تتعرض بخيتا لسوء المعاملة والإغتصاب.
في عام 1885 م إندلعت ثورة المهدي في السودان، مما ألزم القنصل الإيطالي بالعودة مع عائلته ومع بختيا إلى مدينة Minano Veneto.
وهنا أَنجبت زوجة القنصل طفلة رائعة أسموها ميمني Mimmimu، سلمتها إلى بخيتا، التي أَصبحت مربية لهذه الطفلة.
بدأت بخيتا تشعر أنها لم تَعد تُُضرب وتُعنَّف.
وبدأت تشعر تدريجيًا أنها محترمة ككائن بشري، إذ إنتهى التوبيخ والضرب، هي العبدة التي لم تعرف أصحابها في الماضي.
أُستقبلت بخيتا في شقّة لأناس أوربيين مسيحيين، لربما منذ هذه المرحلة تعلمت كيف تبتسم وتضحك.
الحياة الرهبانية
كان القنصل الإيطالي وزوجته مشغولين في بناء فندق على ضفاف البحر الأحمر، فأودعا إبنتهما وبخيتا إلى دير راهبات كانوسّا، مؤسسة راهبات بنات المحبة، التي أسستها سنة 1801 القديسة مادلين كانوسا، وكان اختصاص الراهبات " الموعوظية " في مدينة البندقية.
قادت الحياة الرهبانية بخيتا لاكتشاف الإيمان المسيحي، فقررت أن تصبح مسيحيـة، فنالت سر العماذ بتاريخ 9 كانون الثاني سنة 1890، وأَعطي لها إسم " جوزفين ".
ولكن مدام ميكلي عادت إلى ايطاليا، وطالبت ببخيتا، ولكن هذه رفضت الإستجابة لهذا الطلب، لأنها إكتشفت المسيح في الدير، ونالت مبتغاها بعد جلسات المحكمة.
بتاريخ 8 كانون الأول سنة 1896 م، أَعلنت نذورها الرهبانية.
خلال 50 سنة في الحياة الرهبانية المثالية، عاشت النذور الرهبانية بكل أَمانة، وهنا قيّمت الراهبات والجيران المسيحيون فضائلها ومدحوا طيبتها وتسامحها وذكاءَها.
كلماتها الأخيرة :
قالت الأخت بخيتا، وهي مريضة، تتطلع إلى الموت وجهًا لوجه : " إني أذهب بهدوء، خطوة خطوة باتجاه الأبدية. يسوع هو قبطاني وأنا مساعدته، عليَّ أن أَحمل حقيبتين : إحداهما تحوي ديوني، والأخرى أكثر ثقلاً، التي تحوي إستحقاقات يسوع اللامتناهية.
وفاتها :
بعد 50 سنة من الحياة الرهبانية توفيت الأخت جوزفين برائحة القداسة في البندقية وذلك في 8 شباط سنة 1947.
خلال شيخوختها أُصيبت بمرض عضال وضع حدًا لحياتها الأرضية.
شهادة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني
قال قداسة البابا يوحنا – بولس الثاني خلال مراسيم تطويبها :
إن هذه البنت الأفريقية القديسة أَظهرت أنها بالحقيقة إبنة الله : إن المحبة وغفران الله هي حقائق ملموسة غيّرت حياتها بأسلوب خارق العادة.
وفاتها :
أعطت حياة الرهبانية المثالية دفعة كبيرة لرهبانيتها، فانتشرت في قارات ودول عديدة، منها قارة أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا.