الافتتاحية

تربية الاولاد على الروح المسكونية العدد (72)

                                                                         تربية الأولاد                                                                                      على الروح المسكونية
 

أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين
تقيم الكنائس المسيحية كافة في العالم كل عام أسبوعًا للصلاة من أجل وحدة المسيحيين، يبدأ باليوم (18) كانون الثاني، في ذكرى جلوس القديس بطرس على كرسي روما، وينتهي باليوم (25) منه، في ذكرى إهتداء القديس بولس.
ترفع خلال هذا الأسبوع الأدعية الحارة في الكنائس المسيحية كافة في العالم، وتقام صلوات مشتركة تجمع الطوائف المسيحية المختلفة ؛ ضارعةً إلى الرب ليجمع ابناءَه المسيحيين في كنيسة واحدة ويضع حدًا لانقساماتهم المؤسفة.
الأولاد والقضية المسكونية
بعض الأولاد لهم حساسية خاصة لموضوع ” المسكونية “، خاصة أولئك الذين ينتمي والداهم إلى كنيستين مختلفتين ؛ وغالبًا ما يجهلون معنى كلمة ” المسكونية “، فلا يعرفون الشيء الكثير عن حقيقتها.
لا يقتصر هذا الجهل على الأولاد وحدهم، لأننا نجـده عنـد الكثيـر من الكـبار، إذ يخلطون بيـن مفهوم ” المسكونية ” ومعنى ” حوار الأديان “. إن حوار الأديـان يعالـج العلاقة بيـن أصحـاب الديانات المختلفة، أما ” المسكونية ” فتعالج موضوع وحدة المسيحيين، الذين يجمعهم عماذ واحد ” باسم الآب والإبن والروح القدس “، الذين يؤمنون بيسوع المسيح، إبن الله الذي مات وقام من أجل خلاصنا.
إنقسام المسيحيين أمرٌ مؤلم
إن كل إنقسام بين البشر يمثل حالة مؤسفة ومؤلمة، فكم بالأحرى يمثل إنقسام المسيحيين ظاهرة خطيرة ومحزنة أكثر من الإنقسامات بين البشر، لأنهم قد تعمذوا بالروح القدس ذاته، كما قال يوحنا المعمذان عن يسوع : ” إنه سيعمذكم بالروح القدس… ” (متى 11/3 ؛ مرقس 8/1).
لقد صلى يسوع من أجل وحدة المسيحيين في أَروع ساعة من حياته، فقبل أن يترك تلاميذه ويذهب ليتجرع كأس العذاب والموت، لفظ تلك الكلمات التي أضحت الحافـز الأول للحـركات المسكونيـة كافـة : ” أبتـاه… لسـتُ لأجلهـم (اي لأجل الرسل) فقط أصلي، بل لأجل الذين يؤمنون بي عن كلامهم أيضًا، لكي يكونوا بأجمعهم واحدًا… “ (يوحنا 20/17-21).
منـذ القـرون الأولى مـن تأريخ المسيحية ظهرت بعض الإنقسامات، إلاّ أن الإنقسامات الخطيرة قد تجلّت في القرن الخامس وباقي الألفية الأولى، وفي الألفية الثانية تعددت الإنقسامات، التي لا زلنا نعاني من آثارها المؤلمة في يومنا هذا.
تعدد الكنائس المسيحية ليس غنىً بل مأساة
لنتمكن أن نُفهم للأولاد خطورة هذه الإنقسامات، يمكن أن نستعرض لهم حالة عائلة ممزقة ومنقسمة على ذاتها : إنه لعمري أمر شديد الحزن، إذا ما رفض الأولاد في العائلة الواحدة الجلوس إلى مائدة واحدة، وإذا لم يعودوا يرغبون بتقاسم الطعام ذاته والإشتراك في المناسبات العائلية.
إن اكبر معضلة تعانيها الكنيسة، عائلة يسوع المسيح، هي معضلة الإنقسام. إن هذا الإنقسام يفقدها طاقات حيوية كثيرة، ويعيق رسالتها التبشيرية في العالم. وإن يسوع حين رفع صلاته لأجل الوحدة طلب من أبيه السماوي قائلاً : ” ليكونوا واحدًا ليؤمن العالم إنك أنت أرسلتني “ (يوحنا 21/17).
فالناس يبتعدون عن بشارة الإنجيل بسبب مظهر تطاحن المسيحيين، إذ يبعدهم عن إكتشاف وجه المسيحية الحقيقي، وجه المحبة، التي هي علاقة المسيحيين الفارقة، كما قال يسـوع ” بهذا يعـرف الجميـع أنكـم تلاميـذي، إذا كنتـم تحبون بعضكم بعضًا “ (يوحنا 35/13).
لا يجوز أن تنسينا إنقساماتنا أن نشرح للأولاد ما يوحدنا
لا يجوز أن تنسينا إنقساماتنا الأمور التي توحدنا، التي يجب أن نشرحها للأولاد، فكلنا قد تعمذنا بموت المسيح وبقيامته المجيدة، والروح القدس ذاته حالٌ فينا.
إن الامور المشتركة التي تجمعنا كثيرة وأساسية، فإننا نؤمن جميعًا ببنود الإيمان المسيحي، إذ نتلو جميعًا قانـون إيمـان مجمع نيقيا (325 م) ” نؤمن بإله واحد… “، وكلنا نطبق في سلوكنا وأخلاقيتنا وصايا الله العشر وشرعة العهد الجديد التي أعطاها إيانا يسوع في خطبته على الجبل (متى 5)، وكلنا نتلو سوية الصلاة التي علمنا إياها يسوع ” أبانا الذي في السموات…. “.
لا يجوز أن نستسلم لمظهر إنقساماتنا أن نشرح للأولاد ما يوحدنا
إن الروح القدس ألهم في الأزمنة الأخيرة المسيحيين كافة الرغبة لاستعادة الوحدة بين تلاميذ يسوع كافة، هكذا نشأ أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين قبل سبعين سنة بمبادرة من كاهن فرنسي إسمه پول كوتوريه Paul Couturier.
ومنذ ذلك التأريخ ترتفع الصلوات في كنائس العالم كافة من أجل تحقيق رغبة يسوع ” ليكونوا واحدًا “، فنحن جميعًا مدعوون للإشتراك في الصلوات التي تقام في كنائسنا، كبارًا كنّا أم أولادًا صغارًا، إن صلاة الأولاد لها وقع خاص على قلب المخلص، وبإمكانها أن تنال نعمة الوحدة لكل المسيحيين.
العمل من أجل الوحدة
لا يقتصر العمل من أجل إستعادة الوحدة المسيحية على نشاطات أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، إنه يتحقق أيضًا عبر خلق أجواء المحبة والألفة بين أبناء الكنائس المختلفة.
إن أسلوب تعاملنا مع الأخوة المسيحيين المنتمين إلى سائر الكنائس والمتسم بالإحترام والمحبة واللطف، حينما نتعاون في الأصعدة الرعوية، وحينما نتحدث عنهم أمام الأولاد، ونحاول أن نتعرف إليهم عن كثب عوض الإكتفاء بالأفكار المسبقة التي تلقيناها في الماضي ؛ بهذا نعمل على تحقيق الوحدة.
كما أن إحدى الوسائل التي تساعدنا في تحقيق الوحدة هو تقديس ذواتنا، فلا يمكن للمسيحيين أن يتحدوا فيما بينهم إتحادًا كاملاً ما لم يتحدوا أولاً برأسهم يسوع المسيح، فإذا اتحدت العقول والقلوب للبلوغ إلى الكمال الذي يريده المسيح، فحينئذٍ يحل الروح القدس لتحقيق الوحدة بين الأخوة.
كما يجب علينا أن نستخدم الوسيلة الفعالة الأخرى لتحقيق وحدتنا، ألا وهي التعمق في معرفة المسيح وفي بنود إيماننا المسيحي، وذلك بإقبالنا إقبالاً متزايدًا على درس الكتاب المقدس وكتب التعليم المسيحي والمجلات الدينية، فمن الصعوبة بمكان فتح الحوار بين مسيحيين يعرفون معرفة سطحية محتوى إيمانهم.
كيف نتحد ؟
بايجاز يجب أن نلقن أولادنا محبة زملائهم المنتمين إلى الكنائس الأخرى، وتحاشي أي كلمة أو عمل يعكر العلاقات الودية، وأن يصلّوا من أجل وحدة المسيحيين، ويحاولوا إكتشاف الغنى الروحي لدى الآخرين.

                                                   عيد الميلاد المجيد
                                           الثلاثاء 25 كانون الأول 2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى