بطرس يشفي مشلولاً ويقيم فتاة مائتة (48)
الاب باسل سليم يلدو
تذكار القديسين بطرس وبولس (12 كانون الثاني 2007)
وحـدَث أنه بينما كان شـمعون يطوف في المُـدن، نزَل أَيضًا إلـى القديسين السـاكنين في مدينة لُدَّة، فوجدَ رجُلاً اسمهُ أينياسُ مضطجعًا على سريرٍ وهو مخلّعٌ منذ ثماني سنين، فقال لهُ شـمعون : ” يا أَينياسُ، قـد أَبرأَك يسوعُ المسيحُ، قم فافرش سـريرَك “ فمن ساعتهِ قام. ورآهُ جميـعُ سكانِ لدَّة وسارونةَ فرجعوا إلى الربِ.
وكانت في مدينةِ يافا تلميذةٌ اسمُها طابيثا، الذي تفسيرهُ غزالةٌ، وكانت هذه غنيةً بالأعمالِ الصالحةِ وبالصدقاتِ التي كانت تصنَعها، فمرضـت في تلك الأيام وماتت. فغَسلوها ووضَعوها في علَّية، وكان التلاميذُ قد سمعوا ان شـمعونَ في لدَّة، المدينةِ التي بجانبِ يافا. فارسلوا إليهِ رجُلين يقولان له : ” تعالَ إلينا ولا تتأخر “. فقام شـمعونُ وانطلقَ معهما، فلما وافـى أصعدوهُ إلى العلية، فاجتمع ووقَف حولهُ جميع الأرامل يبكين وكنَّ يُرينـهُ أقمصة وثيابًا كانـت تُعطيها لهنَّ طابيثا وهي حيةٌ، فأخرجَ شمعونُ جميـعَ الناسِ إلى خـارجٍ، وجثا على رُكبتيهِ وصلَّى ثم التفتَ إلى الجثةِ وقـال : ” يا طابيثا قومي “ ففتحت عينيها، ولما رأت شمعونَ جلست، فمدَّ لها يدهُ وأقامها ودعا القديسـين والأرامل ودفَعها لهم حيـة، فذاع ذلك في المدينة كلها وكثيرون آمنوا بالرب.
(أع 32/9-42)
. التحليل الكتابي – البيبلي
يشدّد هذا النص على المعجـزات التي قام بها بطرس الرسـول بإسم يسـوع المسيح وتدخّلات الروح القدس، فهو يعمل على مثال ما فعل يسوع، فيدلّ على علامات مجيء الملكـوت (لو 18/7-23) : يشـفي المرضى (أع 32/9-35)، يقيـم الموتى (أع 36/9-42). مما جعلَ الكثير من الناس يهتدون إلى الرب (أع 35/9).
نلاحظ في هذا النص أن لوقا (كاتب السفر)، لم يحفظ من رحلة بطـرس الا معجزتيـن (أع 32/9-42) تذكّران بمضمونهما وشكلهما ببعض معجزات يسـوع (أع 2/3+). وهاتـان الروايتان تمهّدان لحـدث قيصرية المهم : لقاء بطـرس مع قرنيليوس القائد الوثني (أع 1/10+).
يقول النص بأن التلميذة التي ماتت كانت غنية بالأعمال الصالحـة والصدقات التـي تعطيهـا (أع 36/9). فهـذه ” الصدقات “ قد تنبـئ بصدقات قرنيليوس (أع 2/10+). على كل حال، فالصدقة كانت مستحسنة فـي الدين اليهـودي (راجـع سـفر طـوبيـا 7/4-11 ومتى 1/6-4) وهي وجه مسيحي من وجوه المشاركة (أع 44/2+).
2. الإطار الليتورجي
* علاقة هذه الرسالة بنصوص الصلاة الفرضية :
بطرس وبولس اقترن اسمهما معًا، ويحتفل بعيدهما معًا. أصبح هذان الشهيدان عمودي الكنيسة. فالعمود كما نعلم يقوم بإسناد البناء، هذا البناء ليس فقط تراصف وتكامل القطع، ولكن يحتاج للإسناد القوي. تقول إحدى تراتيل الليل لهذا العيـد : ” يا وكلاء الآب وأعمدة الكنيسـة. لتبعد صلاتكم من نفوسنا الضعف والكسـل، فنقتني الحب والشجاعة كي نسير بطريق الإيمان “ (الحوذرا، المجلد الثالث، ص458).
الترتيلة الأولى من صلاة الليل مخصصة للقديس بطرس فتقول : ” يا سمعان بطـرس الذي أمـرك سـيدك، إرعَ لي خرافـي، إرعَ لـي نِعاجي، سـأعطيك مفاتيح الكنـز الروحي كي تربط وتحـل كل ما في الأرض وما في السـماء “ (الحوذرا، المجلد الثالث، ص455).
أما الترتيلة الأخرى من صـلاة الليل، فهي تمتدح القديس بولس الرسـول : ” طوبى لك يا بولس، أيها النذير والمبشّر بالكنيسة المقدسة. خُطفتَ إلى الأعالي كي تطلع على الأسرار الخفية “ (الحوذرا، المجلد الثالث، ص456). إن مسـيرة بولس إلى دمشـق، هي مسـيرة البحث والتأمل العميق للوصـول إلى حقيقة العلاقـة المتجسدة، يسوع المسيح السر المنكشف.
* علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الأخرى لهذا الأحد :
نجد في القراءة الأولى من سفر الملوك الثاني (2 مل 8/4-37)، كيف أن النبي أليشع يعد المرأة الشونمية انها تنجـب ابنًا، وبعد ان يتحقق الوعد، يكبر الصبـي ويتمرض ويموت، فيتضرع النبي أليشع إلى الرب ويعيد الحياة للصبي الذي مات. نرى بأن هذا النص له علاقة بالقـراءة الثانية (أع 32/9-42)، حيثُ يقوم بطـرس بالعمل نفسه الذي قام به النبي أليشع، وهو إحياء الميت لمجد الله الأعظم.
أما رسالة القديس بولس الثانية إلى أهـل قورنثية (2 قور 1/10-7، 21/11-33)، فتقدم لنا بولس الرسول الذي يدعو إلى طاعة المسيح، ويبحث في معنى الإيمان : ” الحياة في المسـيح “. التحديـد الذي قدّمه بولـس لنا، لا بل خبرته الإيمانيـة والحياتية، والذي على ضوئها يقوم كل بناء الحياة المسيحية : إيمانها، أسرارها وأخلاقياتها. بولس هو مثال الباحث عن الحقيقة، القارئ في التاريخ علاقة الله مع شعبه ومع العالم، فما غيرته وفرّيسيته قبل إهتدائه سوى في جانب من جوانب هذه الحماسة وهذا الحب لاكتشاف حب الله للعالم.
ويقدم لنا إنجيـل متى (13/16-19)، بطرس على أنه ذاك التلميـذ الذي تدور مواقفه حول محور الإيمان بالمسـيح، لذلك سـوف يأخذ بطرس دورًا مهمًا فـي تحمل المسؤولية : ” أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي… وأعطيك مفاتيح السـماوات… “ (متى 18/16-20). يسـوع يسامح بطرس عن الكثيـر من المواقف الضعيفة مثل الشك فيه، ونكرانه إياه، ولكن أيضًا يثني على إيمانه عند إعترافـه به في قيصريـة فيلبس. مـن هنا ينبـع دور بطـرس ليكون قائـدًا لكنيسة المسيح.
3. رسالة هذا النص لعالمنا المعاصر (تأوين)
نرى في هـذا النص ان بطرس يشفي مشـلولاً بإسم يسوع المسـيح وقدرته. وكانت نتيجة المعجزة إهتـداء الناس إلى الرب. ثم بعد ذلك يصلّي للرب ويقيـم طابيثـا المعروفة بمسـاعدة الفقـراء. فقدرة يسـوع كانـت ولا تزال حاضـرة في الكنيسة.
لقد أثرت ” طابيثا “ في الناس المحيطين بها تأثيرًا كبيـرًا، لأنه كانت تفعـل الخير وتساعد المحتاجين، بحيث عندما ماتت امتلأت الحجرة بالنائحين الذين كانت قد أعانتهم في حاجتهم. وعندما عادت إلى الحياة ثانية، إنتشـر الخبر في المدينة كلها. إن الله يستخدم الرسـل الكبار أمثال بطرس وبولـس لإعلان مجده، لكنـه يستخدم أيضًا الرحماء البسطاء أمثال طابيثا لمجد إسمه.
اليـوم نرى الكثير مـن الناس هم محتاجـون إلى مـن يشفيهم من آلامهـم وأوجاعهم، وهم أيضًا في حاجة إلى من يعيد لهم الثقة بالرب يسـوع، وهذا أكيد يتم من خلال أُناس كرسوا حياتهم لخدمة الآخرين على مثال الرسـولَين القديسَين بطرس وبولس.