القراءات الكتابية الطقسية

الوعد الإلهي ومصير إسرائيل (36)

الوعد الإلهي ومصير إسرائيل
المطران إبراهيم إبراهيم

قراءة الثلاثاء الرابع من الصوم الكبير
 الحقّ أقولُ في المسيحِ ولا أكذِبُ ويشهدُ لي ضَميري بروحِ القُدسِ، أنّ لي حُزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا يهدأ، لأني كنتُ أوَدُّ لو أكونُ أنا نفسي محرومًا عن المسيحِ لأجلِ إخوتي وأقربائي بحسبِ الجسد، الذين هم بنو إسـرائيل ولهم كانت ذخيـرةُ البنين والمجدُ والعُهودُ والنامـوسُ والعبـادةُ والمواعيدُ والآباءُ. ومنهم ظهرَ المسيحُ بحسبِ الجسدِ… هذا لا يعني ان الله نكث بوعده ولكن ليس جميعُ الذين من إسرائيلَ هم إسرائيل، ولا لكونهم من نسلِ إبراهيمَ هم جميعًا أبناء (إبراهيم) “.

السؤال الأول الذي يطرحه بولس على نفسه وعلى قرّائه هو : ” هل نكث الله بوعده لإسرائيل الذي إختاره ليكون شعبه الخاص ؟ “.
يجيب مار بولس في رسـالته هذه : ” ألعلّ الله رفض شعبه ؟ كلاّ وحاشا “، يقول مار بولس.
فأدعو قرّاء مجلة ” نجم المشرق “ الكرام إلى شرح مار بولس : إن الإختيار يتم بإرادة حرة ومحبة من قِبل الله، ويصير فعليًا بالإرادة الحرة للشعب المختار بالإستجابة لمحبة الإختيار. فاختيار إبراهيم من قِبل الله، واختيار موسى يؤكدان هذه الحقيقة، الله يدعو والإنسان يستجيب ونتيجة هذا الإختيار يظهر شعب مختار من بين بقية الشعوب. (انظر تكوين 2/17-14 والخروج 15/34-27).
ولكن إذا كان الشـعب لا يهتم بالإختيار وبالعهد، فإنه يعود إلى ما كان عليه سـابقًا مثل بقية الشعوب، والعهد المبرم بين الله والشـعب المختار يكون لاغيًا، ويكون الله حرًا في إختيار شعب آخر. هذا ما نسمّيه الكنيسة. فالكنيسة هي عهد الله مع البشرية، فهو عهد بين الله الحر وبين الإنسان المؤمن، وهذا العهد الجديد تحقق بشخص يسوع المسيح.
– في تاريخ شعب إسرائيل، انحصرت مَهَمّة الأنبياء بتذكير الشعب بحقيقة العهد، وإلا فإسرائيل يفقد إمتيازاته كشعب مختار. (هوشع 1/10-4 ؛ 5/5-9، المزمور 9/81-12). وكذلك يؤكد الأنبيـاء ان الله هو أمين على وعده شـريطة ان يبقـى الشعب المختار أمينًا معه ومكملاً وصاياه بروح الايمان.
– ان خطة الله بالإختيار تحققت تمامًا بيسوع المسيح ومن خلال موته وآلامه وقيامته، فكل الذين يؤمنون به ويسيرون بموجب وصاياه وتعاليمه، يكونون شعب الله المختار الجديد. وهذا الشعب المختار الجديد فيه من اليهود ومن الأمم، إذ هو يشمل كل من يؤمن بيسوع المسيح. لذلك فالكنيسة تمثّل شعب الله المختار.
– السؤال هو إذن : ما هو مصير إسرائيل ؟
ليس كل الإسرائيليين هم إسـرائيل الله، إنمـا الذين بقوا أمينين لوعده، وقبلوا إبنه يسـوع المسيح وآمنوا به، فالمؤمنون بيسوع المسـيح من إسرائيل أصبحوا أيضًا جزءً ا من شعب الله المختار الجديد.
ولهذا مار بولس يقول إن عدم إيمان إسرائيل، فتح الباب أمام الأمم ليدخلوا حظيرة الإيمان، ويضحوا من شعب الله المختار، ومار بولس يسمّي هؤلاء بـ ” المدعوّين “ ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضًا (رسالة الأربعاء الرابع من الصوم الكبير).
ولهذا السبب يضيف مار بولس ” إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي، لا يهدأ، لأني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا عن المسيح لأجـل إخوتـي وأقربائـي بحسب الجسد، الذين هم بنو إسرائيل “ (رومة 2/9-4).
– يؤكد مار بولس أيضًا أنه برغم كون المسـيح قد ظهـر من اليهـود بحسـب الجسد، إلا أن هذا لا يعطيهم امتيازًا خاصًا، إنما كان الأولى بهم ان يؤمنوا به أولاً، وإلا فالجسد لا يفيدهم شيئًا.
لا ننسـى هنا ان نذكر إن الإختيـار لشـعب ما، القديم أو الجديد، ليس على حساب الشـعوب الأخرى، إنما مَهَمّة الشـعب المختار، القديم أو الجديد، هي أن يُعرّفوا الشعوب الأخرى بمحبة الله للجميع.
ما هو، إذن، مصير إسرائيل، شعب الله المختار أولاً ؟
إن الله ليس بغير أمين للعهد وليس بغير عـادل، إذا قدّم محبته للآخرين من غير إسرائيل، إنما هذا التخلّي عنه هو مؤقت، والإسـرائيلي الحقيقـي يجب ان يؤمن بيسوع المسيح الذي يمثّل تكميلاً فعليًا لوعد الله للبشرية من خلال إختيار إسرائيل لهذه المَهَمّة… هذه هي المشكلة الكبيرة التي واجهتها الكنيسـة في بداية عهدها، والتي أوضحها مار بولس في رسالته إلى أهل رومة بكل أبعادها، ويمكن اختصارها كالآتي :
– على إسرائيل ان يقبل مسيح الرب قبل غيره.
– إسرائيل بقي في حدود تكميل الناموس حرفيًا ولم يؤمن بالمسيح.
– الأمم آمنت بالمسيح بسبب رفض إسرائيل الإيمان به.
– اليهود والأمم، الذين آمنوا بيسوع المسيح، يشكّلون شعبَ الله المختار الجديد / كنيسة المسيح.
– القسـم القليل من اليهود، الذين آمنوا بيسـوع المسـيح، يقدّسـون إخوتهم الآخرين ” أما هم، فإذا لم يستمرّوا في عدم إيمانهم فانهم يُطعَّمون، لأن الله قادر ان يُطعِّمَهم ثانيًا “ (رومة 23/11).
– أما العودة النهائية لإسرائيل، والإيمان بيسوع، فالمسيح نفسه لم يتناسَ امتيازات إسرائيل حينما قال للمرأة الكنعانية ” دعي البنين يشبعون أولاً “ (مر27/7).
وبما إن هناك بعضًا من إسرائيل قبِلوا الإيمان بالمسـيح، فهذا القليل عمله هو كعمل الخميرة في العجين، ويذهب بعض المفسّرين للكتاب المقدس أن اليهود كلّهم سيؤمنون بيسوع المسيح قبل مجيئه الأخير. (انظر متى 39/23).
أما الأسباب الطقسية التي دعت آباءنا إلى وضع هذه الفصول من رسالة مار بولس إلى أهل رومة في الاسبوع الرابع من الصـوم الكبير، فأعتقد ان الاسبوع الرابع كان فترة مُهِمة في سَير الإنسان نحو الله، وتريد الكنيسـة أن تقول لأبنائها إن نصف الصـوم الخمسيني قد إنتهى، فإذا لحد الآن لم تتوبوا وتتركوا خطاياكم، فانكم تضرّون أنفسـكم فقط، وبخاصّة أن في هذا الاسبوع والاسـبوع الأول من الصوم كانت الذبيحة الإلهية تُقرَّب كل يوم ويشترك فيها المؤمنون والموعوظون (الذين كانوا يحضّرون أنفسـهم للعماذ في نهاية الصـوم) وكان على الآخرين ان يخرجوا من الكنيسة بعد سماع كلام الله والموعظة، أي عندما كان ينادي الشماس ليخرج من الكنيسة من لم يقبل العماذ، ومن لم يقبل رسمَ الصليب، ومن لا يمكنه ان يشترك في التناول. هذه المناداة موجودة حتى اليوم في طقس القداس الكلداني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى