الافتتاحية

المسيح يولد… ونحن في العراق نولد (100)

المسيح يولد… ونحن في العراق نولد 

الأب ألبير هشام /  نائب رئيس التحرير

 

كان من المفترض أن يصدر العدد (100) من مجلتنا " نجم المشرق " احتفالاً باليوبيل الفضي أي بمرور خمسة وعشرين عامًا على إصدارها (1995-2019)، وأن يضمّ هذا العدد الأعمال الكاملة للندوة التي كان من المقرر عقدها في بداية تشرين الثاني المنصرم. واستعدادًا لهذه المناسبة، استبقنا فأصدرنا الكشّاف الثالث للمجلة، والذي يضمّ الأعداد التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة (2009-2019) واستثنينا فهرس هذا العدد باعتبار أن أبوابه ستختلف وتتضمن مفردات الندوة من بحوث ومداخلات ومقالات تعريفية بنشاطات دارنا الثقافي. إلا أن ظروف بلدنا الحالية والمظاهرات التي لا زالت قائمة وسط بغداد عاصمتنا الحبيبة، دعتنا إلى تأجيل احتفالنا بندوة اليوبيل الفضّي إلى إشعارٍ آخر، تضامنًا مع أرواح شهداء بلدنا وتعبيرًا عن وقوفنا إلى جانب شعبنا وبلدنا في هذه الظروف العصيبة.

ونتيجة لذلك، عدنا لنصدر عددًا آخر من مجلتنا نحتفل فيه بميلاد ربّنا يسوع المسيح، وها هو " نجم المشرق " يظهر للمرة الخامسة والعشرين من قلب العاصمة بغداد، بعد أن أنار كنيستها مدّة ربع قرن، وشهد لإيمان شعبها ولا زال إلى اليوم.

وعيد الميلاد هذا العام في بلدنا يختلف عن كل عام، فهو بالنسبة لكثيرين ولادة جديدة لشعبنا، لأن المسيح يولد كل عام، بل كل يوم، ونحن أيضًا نولد معه ! فيسوع لم يأتِ ليغيّر ظروفنا وواقعنا بصورةٍ مباشرة، كما انتظر معاصروه منه، بل ليدخل أولاً قلوبنا ويجددها فتبدأ هي بتغيير الظروف والواقع ! يسوع لا يتعامل مع الظروف، بل مع الإنسان لكي يغيّر هو الظروف! متى سنفهم هذا؟

فإن كنّا نطلب من المسيح تغييرًا ما، علينا أن نطلب أولاً أن يغيّرنا نحنُ، وعندها سنستطيع بقوّة تجسده أن نغيّر ما يحتاج إلى التغيير. وتعلّمنا قراءات زمن البشارة أن الله يحقق المستحيل، ما هو غير ممكن عندنا نحن البشر. وهذا المستحيل يتحقق فقط عندما يثق الإنسان بالله : فينفتح لسان زكريا عندما يولد ابنه يوحنّا، عندما تقول مريم " نعم " لكلمة ربّنا فتتحقق أكبر معجزة في تاريخ البشرية وهي مجيء المسيح !

فميلاد المسيح يعلّمنا أن نتحمّل مسؤولية حياتنا وواقعنا وظروفنا، من خلال الثقة الواعية بإلهنا الذي جاء " لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم " (يوحنا 10/10). فلا مجال لمسيحية متكلة، لا تفعل شيئًا، تقف مكتوفة الأيدي، تتفرج على معاناة العالم وتسكت… ! على المسيحي اليوم أن يكون كالعاصفة بإيمانه، يحرّك كلّ شيء من حوله ويقوده إلى ميناء الخلاص.

ولكن المسيحي ليس فوضويًا، إنه يعرف بمن وضع ثقته، ومع ذلك فهو أحيانًا مثل ابراهيم الذي " آمن راجيًا على غير رجاء فأصبح أبًا لعددٍ كبيرٍ من الأمم على ما قيل : هكذا يكون نسلك. ولم يضعف في إيمانه حين رأى أن بدنه قد مات (وكان قد شارف المائة) وأن رحم سارة قد ماتت أيضًا. ففي وعد الله لم يتردد لعدم الإيمان، بل قوّاه إيمانه فمجّد الله متيقنًا أن الله قادر على إنجاز ما وعد به " (روما 4/ 18-21). هكذا يصبح إيماننا فاعلاً، فلا نفرح بما ننجزه مهما كان عظيمًا، فالثقة بالله تصنع أمورًا أعظم، كما يقول يسوع : "من آمن بي يعمل هو أيضًا الأعمال التي أعملها أنا بل يعمل أعظم منها " (يوحنا 14/ 12).

عراقنا اليوم بحاجة إلى من يتحمل المسؤولية متكلاً وواثقًا بقدرة ربّنا التي تصنع فيه المستحيل، وبهذا الإيمان نستقبل ميلاد المسيح هذا العام وفي كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى