الله جعَلَ يَسوعَ هذا الذي صَلبتُموهُ أنتم ربًّا ومَسيحًا (47)
الاب باسل سليم يلدو
فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الرُّسُلِ الأَحَدَ عَشَرَ، وَخَاطَبَ الْحَاضِرِينَ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَقَالَ : ” أَيُّهَا الْيَهُودُ، وَيَا جَمِيعَ الْمُقِيمِينَ فِي أُورُشَلِيمَ ! أَصْغُوا إِلَى كَلاَمِـي لِتَعْلَمُوا حَقِيقَةَ الأَمْـرِ !… إِنَّ يَسُـوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِـزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلاَمَاتٍ أَجْرَاهَا عَلَى يَدِهِ بَيْنَكُمْ، كَمَا تَعْلَمُونَ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمَحَ اللهُ، وَفْقًا لِمَشِيئَتِهِ الْمَحْتُومَـةِ وَعِلْمِهِ السَّـابِق، أَنْ تَقْبِضُـوا عَلَيْهِ وَتَصْلُبُـوهُ وَتَقْتُلُوهُ بِأَيْدِي الأَثَمَةِ. وَلكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ نَاقِضًا أَوْجَاعَ المَوْتِ، فَمَا كَانَ يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي قَبْضَتِهِ ! فَإِنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ : كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِـي دَائِمًا فَإِنَّهُ عَنْ يَمِينِـي لِئَلاَّ أَتَزَعْزَعَ. لِذَلِكَ فَـرِحَ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى إِنَّ جَسَـدِي سَيَرْقُدُ عَلَى رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِـي فِي هُوَّةِ الأَمْـوَاتِ، وَلَـنْ تَدَعَ وَحِيـدَكَ الْقُدُّوسَ يَرَى فَسَـادًا، هَدَيْتَنِي سُبُلَ الْحَيَـاةِ، وَسَتَمْلأُني سُرُورًا بِرُؤْيَةِ وَجْهِكَ ! أَيُّهَا الإِخْوَةُ، دَعُونِي أَقُولُ لَكُمْ صَرَاحَةً إِنَّ أَبَانَا دَاوُدَ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ مَا زَالَ عِنْدَنَا حَتَّى الْيَوْمِ. لأَنَّ دَاوُدَ كَـانَ نَبِيًّا، وَعَارِفًا أَنَّ اللهَ أَقْسَـمَ لَهُ يَمِينًا بِأَنْ يَجِيءَ الْمَسِـيحُ مِنْ نَسْلِهِ وَيَجْلِـسَ عَلَى عَرْشِهِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ عَـنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ كَمَا رَآهَا مُسْبَقًا، فَقَالَ إِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تُتْرَكْ فِي هُوَّةِ الأَمْوَاتِ، وَلَمْ يَنَلْ مِنْ جَسَـدِهِ الْفَسَادُ. فَيَسُـوعُ هَذَا أَقَامَـهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُـهُودٌ لِذَلِكَ. وَإِذْ رُفِعَ إِلَى يَمِيـنِ اللهِ، وَأَخَذَ مِنَ الآبِ الرُّوحَ الْقُـدُسَ الْمَوْعُودَ بِهِ، أَفَاضَهُ عَلَيْنَا. وَمَا تَرَوْنَـهُ الآنَ وَتَسْـمَعُونَهُ هُوَ نَتِيجَةٌ لِذَلِكَ. فَإِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِجَسَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ إِنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ يَقُولُ : قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّـي : اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَجْعَـلَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْـكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا بَنُو إِسْـرَائِيلَ جَمِيعًا، أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ يَسُوعَ، هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا ! “.
. التحليل الكتابي – البيبلي
في خطبة بطرس تخطيط تمتاز به كرازة الرسل لليهود، وتتضمن هذه الخطبة إعلان بعض الأحـداث التي نجـدها فـي خطـب أخرى لبطرس (أع 13/3-26 و10/4-12 و30/5-32 و36/10-43)، وفي خطبة بولـس فـي انطاكيـة بيسـيدية (أع 17/13-41) : وهناك، قبل كل شيء، صَلب يســوع (أع 23/2) وقيامتـه (أع 24/2)، وقد يتبعهما ذكـر لنشـاطه أو إشـارة لمجيئـه الأخيـر، والأحـداث المُعلنة علـى هـذا النحو تُعـرَض أحداث تابعـة للعهـد القديـم (راجع أع 16/13-25) ومتممة للنبوءات (أع 16/2 و24-25) التي تحققت في يسـوع الذي نُصـب ” ربًّا ومسيحًا “ (أع 36/2). وينتهـي هـذا العرض الإجمالـي للمخطط الإلهـي (أع 23/2) بدعوة إلى التوبـة وإلى الإيمـان (أع 38/2).
يجري تاريـخ الخلاص، في نظر أعمال الرسـل، وفقًا ” لمخطط “، لتدبيـر وضعته مشيئة الله (أع 14/21 و14/22) وتنفذه ” يـده “ (أع 28/4 و21/11 و11/13). ابتدأ هذا التنفيذ في العهد القديم (أع 36/13) حيث أنبأ الله على لسـان الأنبياء بأنه سيتم، ودخل في مرحلته الحاسـمة لدى مجيء يسـوع (أع 28/4 و30)، في أزمنة وأوقات حدّدها الله (أع 7/1).
ان الرب الإله، بإقامته ورفعه يسـوع، نصبه ” ربًّا عن يمينـه “ الوارد في (مز 110)، ومسيحًا بذكره (مز 16 ومز 132). وتبلغ كرازة الرسل ذروتها، بإعلانها ما إنتهى إليه المخطط الإلهـي (أع 14/2 +). فيسـوع هو ” المسيح “، أي الملك المشـيح الذي أنبأت به الكتب المقدسـة، كما أعلنه المرسلون وأثبتـوه لليهـود (أع 42/5 و22/9 و3/17 و5/18).
في كتاب نٍقفُّيِةِّا داْذِزًا (ملحـق الأسرار) نجد القراءة الثانية لعيـد الصليب هي أعمال الرسـل 14/2-36، أما في كتاب القراءات الطقسية فنرى ان القراءة الثانية لعيد الصليب هي من سفر دانيال ؟ لذا أخذنا بكتاب ملحق الأسرار وذلك لاعتمادنا سفر أعمال الرسل لقراءات هذه السنة.
2. الإطار الليتورجي
* علاقة هذه الرسالة بنصوص الصلاة الفرضية :
تؤكد صلاة الرمش، لعيد الصليب المقدس، على أهمية الصليب ودوره الكبيـر في خلاص جنسنا الوضيع، إذ بواسطته غلب المسـيح الموت، وصار الباكـورة لقيامة الأمـوات، وصعد إلى السـماء. وعلى عرش المجد يهتـف له الكاروبيـم والسـرافيم. ومع الملائكة نسـبّح له نحن أيضًا. وهنا نترجم بعض الأبيـات من ترتيلة الباساليق التي تقول :
” صليبك مَلَكَ في السـماء وصليبك مَلكَ في الأرض، وصليبك كللّ الجمـوع التي اعترفت له. الصليب الذي تراءى في السماء وتجلى بالرحمة للبشر هو يرفع جنسنا ويضعه في السـماء. بصليبك يتفق الكل، وبصليبك يتجدد الكل، وبصليبك يا رب إحفظنا من أعمال الشر “.
” يشـبه الصليب المقـدس، شجرة الحياة في الكنيسـة، ثماره تصلح للأكـل، وأوراقه تنفع للعلاج “.
* علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الأخرى لهذا الأحد :
نستمع إلى كلمة الله من خلال عدة قراءات، القراءة الأولى هي من سفر اشعيا النبي (أش 13/52-15، 1/53-12)، تشير إلى وضع عبدالله المتألم لأجل شـعبه، أي المسيح، الذي أهانه البشر وعذبوه وصلبوه، مقدمًا ذاته فداءً عنهم.
أما القراءة الأخرى فهي رسـالة مـار بولـس الأولى إلى أهل قـورنثيـــة (1 قور 18/1-31)، التي تبرز لنا مجد المسـيح القائم في تواضعه ومحبته، إذ اعتبر الناس الصليب ضعفًا وحماقةً وعارًا، بينمـا كان لدى الله حكمة وقدرة وفخرًا.
والإنجيل بحسب القديس لوقا (13/24-35)، يحكي لنا مسيرة تلميذَي عماوس في اكتشاف المسـيح القائم من بين الأمـوات. طريق عماوس هو طريق كل مسيحي لاكتشاف المسـيح من خـلال الكتاب المقدس، حيثُ يشـرح لنا كيـف ان الآلام والصليب كانا طريق المسيح إلى المجد السماوي وإتمام وعد الله.
3. رسالة هذه النصوص لعالمنا المعاصر (تأوين)
يعلـن بطرس الرسـول خلال موعظتـه بأن على اليهـود أن يصغـوا إلى كلامه لمعرفة الحقيقة، وهي ان كل نبوءات العهد القديم تحققت تمامًا في يسوع المسيح (أع 14/2-21)، كما ان يسوع هو المسـيح القائم من بين الأموات والقادر أن يغير حياتهم.
بطرس نفسه، الذي كان يتظاهر بالشجاعة أمام يسوع وأنكره ثلاث مرّات وشك في إيمانه، تغيّر إلى قائد للرسل بعـد أن آمن بالرب يسـوع وبقدرته الخلاصيـة. أكيد هذه الثقـة والشجاعة اكتسبها بطرس من الروح القـدس الذي جعـل منـه مبشـرًا وقائدًا قويًا.
نحنُ أيضًا في كثيـر من المرات نشـك، ونتزعـزع مثـل بطـرس ونضعف أمام التجارب، ولكن إيماننا بيسوع يعيد إلينا الثقة بأنفسنا، ويجعلنا أناسًا نافعين للتبشير بملكوت الله. فما علينا سوى ان نترك الفرصة ليسـوع أن يدخل إلى عمـق حياتنا، ويغفـر لنا خطايانا ويقوينا بروحه.
بعد أن سمع الناس عظة بطرس الرسـول القوية الممسـوحة بالروح القدس، وخَزَتهم قلوبهم واضطربوا بعمق، فتساءلوا : ” ماذا نعمل ؟ “ (أع 37/2). هذا هو السؤال الأساسي الذي يجب أن نسأله اليوم. فلا يكفي أن نحزن على خطايانا، بل يجب أن ندع الله يغفر لنا، وبعد ذلك نحيا حياة جديدة.