القراءات الكتابية الطقسية
الفريسي والعشـّار (70)
الفريسي والعشـّار
الاب زيد عادل حبابة
إنجيل الأحد السابع من الصيف
” ثم قال هذا المثل ضد قوم واثقين بأنفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون الجميع. رجلان صعدا إلى الهيكل ليصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي واقفًا يُصلي في نفسه بهذا : اللهم إني أشكرك لأني لست مثل سائر الناس الخطفة الظلمة الفجار ولا مثل هذا العشّار. لكني أصوم يومين في الأسبوع وأعشر كل ما أملك. أما العشّار فكان واقفًا عن بعدٍ ولم يرد أن يرفع ولا عينيه إلى السماء بل كان يقرع صدره قائلاً : اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم : إنّ هذا نزل إلى بيته أبرُّ من ذلك الفريسي لأن كل من يرفع نفسه يتضع وكل من يضع نفسه يرتفع “.
(لوقا 9/18-14)
ماذا يقول النص في ذاته ؟
يرتبط هذا النص بمـا يسبقه في مقدمـة الفصل في مثل ” القاضي والأرملة “ (لوقا 1/18-8)، حيث يركز يسوع فيه على ضرورة المداومة على الصلاة دون ملل لأجل تثبيت الإيمان ؛ وفي النص الذي نحن بصدده، يوضِّح يسوع كيف يجب أن تكون الصلاة والعلاقة الصحيحة مع الله التي تظهر في الصلاة.
يبين لوقا غاية يسوع في مقدمة المثل : ” ثم قال هذا المثل ضد قوم واثقين بأنفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون الجميع “ (لوقا 9/18) ؛ وهذه الغاية تتضمن أيضًا، دون شك، تعليمًا للتلاميذ ولقارئ الإنجيل. فالمشهد الذي يصفه لنا لوقا هو أكثر من أن يكون مجرد مثل، فهو يبدو انتقادًا للفريسيين الذين يتصورون بأنهم يُبرَّرون لمجرد حفظهم الشريعة، فيقدِّم صورة واضحة لموقفين متناقضين في العلاقة مع الله، يظهران في الصلاة.
الموقف الأول هو موقف الفريسي الذي صعد إلى الهيكل للصلاة، فيقف أمام الله ويشكره لأنه يعيش حياة مستقيمة، فهو ليس بكاذب لأنه يقول الحقيقة، وهو يؤدي واجب الصلاة ؛ ويصوم مرتين في الأسبوع يومي الإثنين والخميس ويعشِّر كل ما يملك بينما الشريعة تطلب العشور على الزيت والقمح والخمر ؛ لكنه يتباهى بنفسه كثيـرًا : ” أنا أصوم… أنا أعشِّر.. “ (لوقا 12/18)، ويبـدو أنـه قاسيًا تجـاه الآخرين : ” لست مثل هذا العشّار “ (لوقا 11/18)، فأصبح موضوع صلاته ” الأنا “ ودينونة الآخرين، فهو يُعبِّر عن إنسان يكتفي بذاته ويعجب بنفسه، وكأني به يقول لله أنظر كم أنا صالح ! فهو لا يحتاج إلى الله.
أما الموقف الثاني فهو موقف العشَّار الذي يشعر بعدم استحقاقه المثول أمام الله، فهو يتوسل بتواضع طالبًا رحمته : ” اللّهم ارحمني أنا الخاطئ “ (لوقا 13/18). إنها صلاة قصيرة، بسيطة وصادقة، وترتكز على معرفته بنفسه كونه خاطئًا وبحاجة إلى رحمة الله، وهو واثق بأن ينال هذه الرحمة. فهو لا يدين أحدًا، حتى الفريسي الذي تكلم عليه وأدانه. إنه يضع نفسه في علاقة أصيلة مع الله.
يُعلن يسوع الحُكم على الشخصين، فالأول على الرغم من تديّنه والتزامه بالشريعة لم يبرره الله ؛ بينما يبرِّر الثاني، لأنه أسلم نفسه بتواضع إلى رحمته فحصل على غفرانه. توضح لنا خاتمة المثل منطق الله في تصرفه مع هذين الشخصيـن فهـو يَخفض المتكبِّرين، ويَرفع المتواضعين (لوقا 14/18).
ماذا يقول النص لنا ؟
إن الشخصيتين في هذا المثل (الفريسي والعشّار) هما كالمرآة بالنسبة إلينا، فبموقفهما وسلوكهما مع الله في الصلاة يُعبِّران عن موقفنا نحن وسلوكنا ؛ فهما يقدِّمان لنا نموذجين من العلاقة مع الله، النموذج الأول : علاقة تريد أن تضمن الله بأعمالها الصالحة وتقواها وتُخضِعه لها (كالفريسي المتمركز على ذاته، الذي يعتبر ذاته متفوقًا على الله والآخرين) ؛ النموذج الثاني : علاقة نابعة من عمق التواضع تلتمس رحمة الله وكلها وعي بأنها خاطئة (كالعشّار الذي يجعل ارتكازه على الله ويرى نفسه على حقيقتها مع الله والآخرين).
إن أكبر خطيئة نواجهها اليوم في صلاتنا هي الكبرياء والإعتداد بالنفس والتقليل من شأن الآخرين والحكم عليهم كالفريسي، بينما موقف الله هو قبول الإنسان مهما كان خاطئًا، فقط إن طلب رحمته بتواضع كالعشّار الذي نزل إلى بيته أبرَّ من ذلك الفريسي.
فالإنسان الذي لا يفهم، ولا يريد أن يفهم، بأن الله يُحب الجميع ويقبلهم دون شروط، لا يمكنه الدخول في علاقة مع الله ؛ فالصلاة الحقيقية هي عندما نعرف ذواتنا ونقف بتواضع أمامه تعالى ولدينا الثقة برحمته على الرغم من خطايانا، فقط إذا اعترفنا بها ؛ لأننا لا نقدر أن نعيش إلا بفضل رحمته التي تسمح لنا بأن نرفع نظرنا ونؤسس علاقة معه، علاقة بعيدة عن كلِّ تكبُّر وغرور وهي تحسِّن علاقاتنا مع الآخرين ؛ حينها نقدر أن نلتقي بالله من خلالهم عندما نقبلهم كما هم، ونبين ثقتنا بهم، فسوف نخلقهم من جديد وسيفرحون لأننا لا نحكم عليهم، بل ننتظر منهم شيئًا جديدًا. فالصلاة هي أفضل خبرة تؤهّلنا للتعرّف إلى صورة الله المرسومة في عمق كيان كل منّا.
الاب زيد عادل حبابة
إنجيل الأحد السابع من الصيف
” ثم قال هذا المثل ضد قوم واثقين بأنفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون الجميع. رجلان صعدا إلى الهيكل ليصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي واقفًا يُصلي في نفسه بهذا : اللهم إني أشكرك لأني لست مثل سائر الناس الخطفة الظلمة الفجار ولا مثل هذا العشّار. لكني أصوم يومين في الأسبوع وأعشر كل ما أملك. أما العشّار فكان واقفًا عن بعدٍ ولم يرد أن يرفع ولا عينيه إلى السماء بل كان يقرع صدره قائلاً : اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم : إنّ هذا نزل إلى بيته أبرُّ من ذلك الفريسي لأن كل من يرفع نفسه يتضع وكل من يضع نفسه يرتفع “.
(لوقا 9/18-14)
ماذا يقول النص في ذاته ؟
يرتبط هذا النص بمـا يسبقه في مقدمـة الفصل في مثل ” القاضي والأرملة “ (لوقا 1/18-8)، حيث يركز يسوع فيه على ضرورة المداومة على الصلاة دون ملل لأجل تثبيت الإيمان ؛ وفي النص الذي نحن بصدده، يوضِّح يسوع كيف يجب أن تكون الصلاة والعلاقة الصحيحة مع الله التي تظهر في الصلاة.
يبين لوقا غاية يسوع في مقدمة المثل : ” ثم قال هذا المثل ضد قوم واثقين بأنفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون الجميع “ (لوقا 9/18) ؛ وهذه الغاية تتضمن أيضًا، دون شك، تعليمًا للتلاميذ ولقارئ الإنجيل. فالمشهد الذي يصفه لنا لوقا هو أكثر من أن يكون مجرد مثل، فهو يبدو انتقادًا للفريسيين الذين يتصورون بأنهم يُبرَّرون لمجرد حفظهم الشريعة، فيقدِّم صورة واضحة لموقفين متناقضين في العلاقة مع الله، يظهران في الصلاة.
الموقف الأول هو موقف الفريسي الذي صعد إلى الهيكل للصلاة، فيقف أمام الله ويشكره لأنه يعيش حياة مستقيمة، فهو ليس بكاذب لأنه يقول الحقيقة، وهو يؤدي واجب الصلاة ؛ ويصوم مرتين في الأسبوع يومي الإثنين والخميس ويعشِّر كل ما يملك بينما الشريعة تطلب العشور على الزيت والقمح والخمر ؛ لكنه يتباهى بنفسه كثيـرًا : ” أنا أصوم… أنا أعشِّر.. “ (لوقا 12/18)، ويبـدو أنـه قاسيًا تجـاه الآخرين : ” لست مثل هذا العشّار “ (لوقا 11/18)، فأصبح موضوع صلاته ” الأنا “ ودينونة الآخرين، فهو يُعبِّر عن إنسان يكتفي بذاته ويعجب بنفسه، وكأني به يقول لله أنظر كم أنا صالح ! فهو لا يحتاج إلى الله.
أما الموقف الثاني فهو موقف العشَّار الذي يشعر بعدم استحقاقه المثول أمام الله، فهو يتوسل بتواضع طالبًا رحمته : ” اللّهم ارحمني أنا الخاطئ “ (لوقا 13/18). إنها صلاة قصيرة، بسيطة وصادقة، وترتكز على معرفته بنفسه كونه خاطئًا وبحاجة إلى رحمة الله، وهو واثق بأن ينال هذه الرحمة. فهو لا يدين أحدًا، حتى الفريسي الذي تكلم عليه وأدانه. إنه يضع نفسه في علاقة أصيلة مع الله.
يُعلن يسوع الحُكم على الشخصين، فالأول على الرغم من تديّنه والتزامه بالشريعة لم يبرره الله ؛ بينما يبرِّر الثاني، لأنه أسلم نفسه بتواضع إلى رحمته فحصل على غفرانه. توضح لنا خاتمة المثل منطق الله في تصرفه مع هذين الشخصيـن فهـو يَخفض المتكبِّرين، ويَرفع المتواضعين (لوقا 14/18).
ماذا يقول النص لنا ؟
إن الشخصيتين في هذا المثل (الفريسي والعشّار) هما كالمرآة بالنسبة إلينا، فبموقفهما وسلوكهما مع الله في الصلاة يُعبِّران عن موقفنا نحن وسلوكنا ؛ فهما يقدِّمان لنا نموذجين من العلاقة مع الله، النموذج الأول : علاقة تريد أن تضمن الله بأعمالها الصالحة وتقواها وتُخضِعه لها (كالفريسي المتمركز على ذاته، الذي يعتبر ذاته متفوقًا على الله والآخرين) ؛ النموذج الثاني : علاقة نابعة من عمق التواضع تلتمس رحمة الله وكلها وعي بأنها خاطئة (كالعشّار الذي يجعل ارتكازه على الله ويرى نفسه على حقيقتها مع الله والآخرين).
إن أكبر خطيئة نواجهها اليوم في صلاتنا هي الكبرياء والإعتداد بالنفس والتقليل من شأن الآخرين والحكم عليهم كالفريسي، بينما موقف الله هو قبول الإنسان مهما كان خاطئًا، فقط إن طلب رحمته بتواضع كالعشّار الذي نزل إلى بيته أبرَّ من ذلك الفريسي.
فالإنسان الذي لا يفهم، ولا يريد أن يفهم، بأن الله يُحب الجميع ويقبلهم دون شروط، لا يمكنه الدخول في علاقة مع الله ؛ فالصلاة الحقيقية هي عندما نعرف ذواتنا ونقف بتواضع أمامه تعالى ولدينا الثقة برحمته على الرغم من خطايانا، فقط إذا اعترفنا بها ؛ لأننا لا نقدر أن نعيش إلا بفضل رحمته التي تسمح لنا بأن نرفع نظرنا ونؤسس علاقة معه، علاقة بعيدة عن كلِّ تكبُّر وغرور وهي تحسِّن علاقاتنا مع الآخرين ؛ حينها نقدر أن نلتقي بالله من خلالهم عندما نقبلهم كما هم، ونبين ثقتنا بهم، فسوف نخلقهم من جديد وسيفرحون لأننا لا نحكم عليهم، بل ننتظر منهم شيئًا جديدًا. فالصلاة هي أفضل خبرة تؤهّلنا للتعرّف إلى صورة الله المرسومة في عمق كيان كل منّا.