القراءات الكتابية الطقسية

العـذراء تلـدُ إبنـًا (44)

العـذراء تلـدُ إبنـًا
   ( اشعيا 14/7)
الاب باسل سليم يلدو
(القراءة الأولى)
وعاد الرب أيضًا فقال لآحاز : ” أُطلب لك آيةَ مـن الرب إلهك، عمِّق طلَبك أو علّهِ إلى فوقُ “. فقال آحازُ : ” لا أطلبُ ولا أُجربُ الربَّ إلهي “. فقال اشعيا : ” إسمعوا يا بيتَ داودَ، أقليلٌ عندكم ان تُضجروا الرجلَ حتى تضجروا إلهي أيضًا “. فلذلك يعطيكم الربُّ الإلهُ آيـةً : ها إن العـذراءَ تحبلُ وتلدُ ابنًا ويدعى اسمهُ عمانوئيل. زُبدًا وعسلاً يأكل، لكي يعرفَ ان يرذُل الشـر ويختارَ الخيـر، لانهُ قبلَ ان يعرف الصبـي ان يرذُلَ الشـر ويختارَ الخيـرَ، تُهجرُ الأرضُ التـي أنتَ منزحمٌ فيها مـن قِبلِ ملِكَيهـا. أسرعت أرضُ زبلون وأرضُ نفتالي واعتزّت المملكة. طريقُ البحر عِبرُ نهرِ الأردن جليل الأمم، الشعبُ السالكون في الظلمةِ أبصروا نورًا عظيمًا، والساكنون في أرض ظلالِ الموتِ أشرق عليهم نورٌ. كثّرتَ الامة، ووفّرتَ لها الفرح. فرحوا أمامـك كالذين يفرحون في الحصادِ وكالذين يبتهجـونَ عندما يقتسـمون الغنيمـة، لانهُ قد وُلـد لنا ولدٌ وابنًا أُعطينا. فصـارت رئاستهُ على كتفهِ ودُعي اسمهُ عجبًا مشـيرًا إلهًا جبارَ العالمين رئيـسَ السلام، لإنماءِ رئاسـتهِ. ولسلامهِ ليـس انتهاء، على عرشِ داود وعلى مملكتهِ، ليثبتها ويوطِّدها بالعدلِ والبـرِ، من الآن إلى الأبد. إن غَيرَةَ ربِ الجنود تعملُ هذا.

تبدأ دعوة اشـعيا في السـنة التي مات فيها الملك عُزيا ويرجًّح انها السـنة (740 ق.م). حيثُ يبدأ التدخل الأول لاشـعيا النبي في أيام الملك آحاز بن يوتام بن عُزيا، ملك يهوذا (735-716؟ ق.م). عندما كان أرام وكانت عاصمته دمشق، واسرائيل وكانت عاصمته السامرة، يحاولان الوقوف في وجه قوة آشور المتزايدة تهديدًا، في حيـن أن آحاز، ملك اليهود، كان يرى العكـس ان الحل الأفضل هو الاحتماء بآشـور، وهذا ما دفع جارَيه إلى حملة تأديبية لإرغامـه على الانضمام إلى تحالفهما. لقـد أخفقت هذه الحملة، فواصل آحاز سياسته المناصرة لآشـور. وبعد هذه الاحداث التي جرت في حوالي السنة 734 ق.م، يبدو ان النبي اعتـزل الحياة العامة طوعًا أو كرهًا مدة نحو عشر سنوات.
وكان اشعيا يشاهد عاجزًا صعود الدولة الآشورية التدرّجي، وسيكون لها وقع في عدة أقاليم من أقاليم مملكة اسـرائيل، وستقضي على هذه المملكة في السـنة 722 ق.م.

لقد أعطى الله آحاز هذه الآية التي رفض ان يسـألها ؛ إنها ميلاد طفل اسمه عمانوئيل، أي (الله معنا). ويبشّر بأن الله سيحمي يهوذا ويباركها.
وفي نصوص أخرى (1/9-6 و1/11-9)، سيكشف اشعيا بعبارات أوضح عن بعض وجـوه الخلاص الذي سـيأتي به هذا الطفل. هـذه النبوءات تعبيـر عن المشيحية الملَكيـة التي كان النبي ناتان أول من رسم خطوطها الأوليـة (2 صم 7) والتي تكلّم عليها (مي 14/4 وحز 23/34 وحج 23/2 وراجع مز 2 و45 و72 و110). عن يد مَلكٍ خليفةٍ لداود، سيأتي الله بالخلاص لشـعبه، وعلى استمرارية سـلالة داود يُعقـد رجاء المؤمنيـن بالرب. أجل، إن اشعيا يشير مباشرة إلى ولادة ابن لآحاز، ومـع ذلك نشعر، من خلال ما في القـول من هيبـة ومن خـلال ما فـي الإسـم المطلق على الطفل من قوة، بأن اشعيا ينظر في هذه الولادة الملكية إلى أبعد من الظـروف الراهنـة، فيـرى تدخلاً من قِبل الله في سـبيل إقامـة المُلك المشـيحي النهـائـي. ان نبـوءة ” عمانوئيـل “ تتجاوز هكذا تحقيقها المباشر، وبحـق رأى فيهـا الانجيليون (متى 23/1 الذي يستشهد بـ اش 14/7، ومتى 15/4-16 الذي يستشهد بـ اش 23/8-1/9)، ومن بعدهم التقليد المسيحي، التبشير بميلاد المسيح.
في اشـعيا (14/7) يستخدم كلمة صبيّة التي هي في اللفظ العبـري ” عَلمه “ وتدل إما على صبيّة، وإما على امرأة لم يمض زمن طويـل على زواجها. غير أن الترجمـة السبعينية اليونانية ترجمـت هذا اللفظ بـ ” عذراء “، فهي شـاهد للتفسير اليهـودي القديم والذي سيتبنّاه الإنجيـل. فإن متى (23/1) يرى في هـذه العبارة إشارة إلى الحبل العُذري بالمسيح.

في القراءة الأولـى من (اشعيا 10/7-16 و1/9-7) يحاصر الآشـوريون القدس. واليهود خائفـون. يلوم اشـعيا النبي قلة ايمانهم ويدعوهم إلى الصمـود، ويؤكد النصر بعون الله. والدليل هو ان العذراء تلدُ إبنًا يُدعى عمانوئيل أي (الله معنا). إنه إله قوي، رئيس السلام.
أما في رسالة مار بولس إلى أهل غلاطية (غل 15/3-6/4) فيحدّثنا الرسول عن الشـريعة ودورها في رعاية البشـر، لا في خلاصهم. أما الخلاص، فبالمسـيح الموعود والمولود من مريم، وبالإيمـان به. كما يحرّض على التمسّـك بالإيمان بالله، وإزالة جميع الحواجز التي تفرّق بين البشر، كلهم يشتركون في نفس كرامة أبناء الله.
يروي لنا إنجيـل لوقا (1/2-20)، ميلاد يسـوع المسـيح. البشـر مهتمـون بأمورهم : فالقيصر يحصي رعاياهُ، يوسف يأخذ مريم إلى بيت لحم للتعداد، دُور الضيافة تهتم بكسب المادة، والله يستغل كل هذا لتحقيق مخططهِ الخلاصي : فيولد المسيح في قرية داود، فقيرًا، منبوذًا من العالم، لكنه مقبول ومعبود من الذين كانوا ينتظرون الخلاص.

علاقة هذه القراءة بنصوص الصلاة الفرضية :
تدور صلاة الفرض حول تجسد ابن الله الذي أشرقَ بنوره علينا. لذا نقول في عونيثا (ترتيلة) دقذام من صلاة المساء الطقسية لعيد الميلاد : ” لنسبّح كلّنا الوليد المعجزة الذي به نور الحق أشرقَ للذين هم في الظلام جالسين، ولأجل هذا نهتف ونقول مع الجموع السماوية : المجد لله في العلى وعلى الأرض السـلام والرجاء الصالح لبني البشـر وفي تمام الأزمنة ظهر متجسدًا من جنسنا وعلّمنا بأنه هـو صانع كل شيء “ (الحوذرا، المجلد الأول، ص321).
كما نجد في نهاية صلاة الليل لعيد الميلاد، ترتيلة رائعة مطلعها : ” أعلن ابنُ الله الحقّ المبين “ (الحوذرا، المجلد الأول، ص334-337). تبيّن كيف ان محبة ابن الله لنا دفعته أن يأتي إلى العالم في منتهى الأزمنة وهو الكائن في حضن الآب، أخذ جسدنا، وبموته وقيامته خلّصنا، وأرسـل الروح القدس إلى تلاميـذه، مُختارًا له كنيسة لتواصل عمله الخلاصي.

لقد رفض آحاز، أحد أكثر ملوك يهوذا شـرورًا، معونة الله، وحاول بدلاً من ذلك، أن يشـتري معونة الآشوريين بفضة وذهب من الهيكل (2 مل 8/16)، ولكن عندما جاء الآشوريون، كانوا سببًا في زيادة المتاعب بدلاً من المعونة.
في بداية النص نرى آحاز انسـانًا بارًّا بقوله إنه لن يجرّب الله بطلب علامة ” لن أطلب ولن أجـرب الرب “، بل الحقيقـة هي ان الله هو الذي قال لـه أن يطلب، ولكن آحاز لم يشأ ان يعرف ماذا يريد الله ان يقول له. مع الأسف، كثيرًا ما نلتمـس أعـذارًا لتجنّب الحـديث مع الله، أو الإسـتماع إليه، ولكن يجب ان لا نسمح لأي شيء، مهما كان، أن يمنعنا من سماع كلمة الله.
نتعلم من هذا النص بأن الله لا يترك شـعبه المؤمن أبدًا. ففي زمن الضيـق والظُلمة، وعد الله بإرسال نور يشرق على كل إنسان جالس في ظل الموت، وهو ” عجيبٌ مشـيرٌ إلهٌ قدير “. وقد تحققت نبوءة الرجاء هذه بمولد المسـيح وإقامة ملكوته الأبدي. فقد أتى ليخلّص كل الناس من عبوديتهم للخطيئة.
ففي حزننا واكتئابنا ويأسنا يجب ان لا ننسى رجاءنا بالرب يسـوع الذي جاء ليخلّصنا ويشرق نوره علينا لأنه هو ” نور العالم “ (يو 12/8).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى