الافتتاحية

الصــلاة !… ما الفائدة منها العدد (31)

                                                         الصــلاة !… ما الفائدة منها


عقبات كبيرة واعتراضات جمّة تقف امامنا وتحول بيننـا وبين اقامة صلـوات حارة الى الله، وتجعلنـا نتخيـل وكأن التضرعات التي نرفعهـا لا تجدينـا نفعًا، بحيث نبدأ بالإستفسار أنْ لماذا نواصـل اقامةَ الصلوات في كل حين، كما يطلب منا الرب قائلاً : (( إسهروا وصلّوا في كل وقت… )) (لوقا 36/21) و (( في وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل… )) (لوقا 1/18)، وكما يوصينـا القديس بولـس قائـلاً : (( صلّوا بلا انقطاع )) (1 تسالونيكي 17/5) ويردف في رسالة أُخرى قائلاً : (( أقيموا الصلاة والإبتهال في الروح كل وقت… )) (افسس 18/6).
لقد رفعنا صلوات حارة على انفراد وبصورة جماعية في الكنائس منذ احد عشر عامًا لكي يرفع الرب عنا الحصار الجائر، الذي سبب مآسيَ لا يذكر التاريخ مثيلاً لها، ولكن بدون جدوى، فآلاف الاطفال ما زالوا يموتون بسبب سوء التغذية، وأعداد غفيرة من المرضى يقضون بسبب قلّة الدواء. اننا نصلي منذ اشهر عديدة كي يضع الرب حدًا للنزاع القائم في الارض المقدسة فلسـطين، ولكن بدون فائدة، فالجيش الاسرائيلي يدّمر المنازل على رؤوس سكانها الآمنين الابرياء، وكنيسة مهد المسـيح نفسها حوصرت من كل جانب. ويتسـاءل أحدنا : ” ما الفائدة التي اجتنيتُها من الصلاة ؟ لقد صلّيتُ بمثابرة منقطعة النظير، ونذرت نذورًا سخية، ودرّت عيناي دموعًا ساخنة لكي يشفي الرب اخي المصاب بداء السرطان، الاّ ان الرب لم يشأ شفاءَ ه، فلقد مات اخي… “. ما فائدة صلواتنا ؟ اليس من الاجدى ان نبذل ما في وسعنا من الجهود لتغيير احوالنا بانفسنا بدلاً من ان نطلب من الله ان يقوم بذلك نيابة عنّا ؟
موقفنا من الصلاة غير المستجابة
ما هو الموقف الذي قد نتخذه إزاء صلاة غير مستجابة ؟ الا يحدث لنا ان نقع في تجربة الإستسلام للحزن او اليأس او التذمّر من الله ؟
الا يحدث ان يتسـرب الفتور إلينـا لإقامة صلواتنـا في حالة تصوّرنـا ان الله لا يستجيب لنا ؟ ولربما نتساءَل ما الفائدة من رفع تضرعاتنا، إذا كان الله لا يعير لها اذنا مُصغية ؟ فتهددنـا في هذه الحالات تجربـة هجران الصـلاة، فنهمل صلواتنا التي كنا نرفعها يوميًا الى عرش الله، لاننا نتصور ان الصلاة مضيعة للوقت، ومن الاجدى ان نقضي الساعات التي نشغلها بالصلاة للقيام باعمال اكثر اهمية واغزر فائدة.
ليس لدينا اجهزة لنقيس بها فاعليـة هذه الصـلوات، بالرغـم من ان علمـاء النفس يُجمِعون على التأكيد ان للصلاة مردودات ايجابية على صحة الانسان المصلّي : نفسيًا وعقليًا وجسديًا.
حاجتنا الى الصلاة ماسة جدًا
ما هو الموقف الذي تبنّاه يسوع في بستان الزيتون حينما رفع صلاته الى ابيه طالبًا إعفـاءَ ه من شـرب كأس الألـم قائلاً : (( يـا أَبتِ، إن أَمكـنَ الأَمرُ، فلتبعِدْ عنّي هذه الكأس… )) (متى 39/26)، هل إستسلم لليأس والقنوط حينما شعر ان اباه لم يستجب لطلبه، ام انه توقف عن الصلاة ؟ ازداد يسوع تشبثًا بصلاة واثقة مستسلمة لارادة الله ولعنايته ومحبته، فلقد كرر الصلاة ذاتها ثلاث مرات، مضيفًا إليها عبارة (( ولكن لا كما أَنا أشاء، بل كما انت تشاء )). كافأ الآب تشبث يسوع بالصلاة، واستسلامه الواثق لإرادته القدوسة، فلم يتركه في مثوى الاموات.
اننا نشعر بحاجتنا الماسة الى الصلاة في مواقف عديدة من الحياة، أكانت مواقف سارة أم مواقف تدعو للقلق. حينما نحصل على كل رغباتنا البشرية، نشعر بفراغ خانق، وكأن جوعنـا نحو المزيد يأخذ بخناقنا، وحينمـا نفكر في ما يمكن للمسـتقبل ان يُخبئَه لنا من مفاجآت غير سارة، ونحن نتأمل الاحداث المؤلمة المفاجئة التي ألمّت بأحد من اقربائنا أو معارفنا، نشعر بغصّة الفزع، ونفهم بسرعة ان الموقفين اللذين نتخذهما من الصلاة في حالات الإحباط : أي موقف التذمّر أو موقف الإنقطاع عن الصلاة، لا يجديان نفعًا، علينا
الاقتداء بالمسيح، فنندفع بكل قوة وثقة ونلقي انفسنا بين يدي الله ابينا و.. في هذه الحالات تزداد نفوسـنا عطشًا إلى الإله الحي، فنرفع افكارنا تلقائيًا الى ذاك الكائن العلي والمحب، ونرفع صراخنا الى الله الذي في إمكانـه وحده ان يشـبع جوعنا إلى السـعادة، ويروي عطشنا إلى الاطمئنان وراحة البال حتى حينما تحيط بنا الصعوبات من كل جانب.
إن هذا الصراخ هو صلاة حقيقية، على غرار الدموع الساخنة التي تنهمر من عيون والدة تسهر على ولدها المريض، وعلى مثال سبحة الوردية التي تستعرض انامل عجوز حبّاتها وهي مختلية في زاوية من زوايا الكنيسة، إنها صلاة تشبه التلفّظ باسم يسوع، تخرج من شفاه رجل يكد في عمل شاق طلبا للرزق، او تأمّلٍ صامت لراهب في سكون ديره، او فعل تقدمة للاعمال البيتية التي تقوم بها ربة البيت، او ” الصلاة الربيـة “ او ” السلام الملائكي “ نتمتمه ونحن جالسون في السيارة بانتظار ظهور الضوء الاخضر.
الصـلاة تعني ان نصوّب نظرنا الداخلي نحو الله السـاكن في اعماقنا، وان نستسلم لنظرة الله الحنون التي ترافقنا في كل لحظة.
أحاديث عن الصــلاة
ونظرًا إلى أهمية موضوع الصلاة وإلى حاجتنا الماسة إلى الإطلاع على الاسلوب الامثل للصلاة الفردية والجماعية، سنحاول إعتبارًا من هذا العدد، نشر مقالات قصيرة ومركزّة، يسطّرها كتّاب عديدون، في مجلتكم ” نجم المشــرق “ تتناول مواضيع مختلفة عن الصلاة، ما هي الصلاة ؟ حاجتنا الماسة إلى الصلاة، هل كان يسـوع محتاج إلى رفع الصلاة ؟ هل يصلي المسيحيون مثل سائر المصلّين في الديانات الاخرى ؟ معاني الصلاة الربية، الموقف من الصلاة في العائلة، كيف نجد الوقت للصلاة ؟ هل نصلّي وحدنا ام مع الآخرين ؟ كيف نصلي ؟ …الخ.
ويمكن للمؤمنين ان يستفيدوا من هذه المواضيع في الندوات الدينية او في السهرات الإنجيلية، او في مجالسهم العائلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى