السلوك المقبول عند الله (64)
الاب باسل سليم يلدو
الاحد الثاني من الميلاد
(القراءة الثالثة)
” إجتنِب الكلامَ الباطِلَ الّذي لا منفعة فيه،ِ فإنّ الذين يعكِفون عليهِ يزدادون بهِ كثيرًا في نِفاقهِـم ؛ وكلِمتُهم كالآكلَـةِ تتأَصَّلُ في كثيريـن، وأَحـدُ هؤُلاءِ هيمناؤُسُ والآخـرُ فيليطوس، اللَّذان زاغا عنِ الحقِّ قائلَين : ” إنَّ قيامةَ الأمواتِ قد تمَّت “ فيَقلِبانِ إِيمانَ بعضِ الناس، ولكنّ أَساسَ اللهِ الرَّاسِخَ ثابتٌ، وعليهِ هذا الختمُ، وهو َويعلمُ الربُّ الّذين هُم لهُ وَليتباعدْ عنِ الإثمِ كلُّ من يدعو باسمِ الربُّ، لأَنهُ لا تكونُ في بيتٍ كبيرٍ آنيةٌ من ذهبٍ أَو فضَّةٍ فقط بل مِن خشَبٍ وخزَفٍ أيضًا بعضُها للكرامةِ وبعضُها للهَوان، فإنْ طهَّر أَحدٌ نفسَهُ من هذهْ فإنَّهُ يكونُ إناءً نقيًا للكرامةِ يصلُحُ لاستعمالِ سيدِهِ ومُعَدًّا لكلِّ عملٍ صالح، أُهرُبْ من كلِّ شَهَواتِ الصُّبُوَّةِ، واسْعَ في إثرِ البرِّ والإيمان والمحبةِ والسّلامِ معَ الذين يدعون الربَّ بقلبٍ طاهر، وتجنَّبِ المُباحثاتِ السَّخيفةَ الخاليةَ من الأدَبِ فإنّك تعلَمُ أنَّها تُوَلّدُ المشاجرات، وعبدُ الربِّ لا ينبغي لهُ أَن يُشاجرَ بل يكونَ متَّضعًا للجميعِ ومعلّمًا صَبورًا، ليُؤدِّبَ بالتواضُعِ الّذين يقاومونهُ عسى، أَنْ يُؤتِيَهُم اللهُ التوبةَ فيعرِفوا الحقّ، فيُفيقوا ويتخلَّصوا من فخِّ الشَّيطانِ الذي بهِ اصطادَهم لإرادته “.
1- الاطار التاريخي الذي ورد فيه نص (2 طيم 2/ 16-26)
– الاطار التاريخي الذي ورد فيه نص (2 طيم 2/ 16-26)
يرجح تاريخ كتابة هذه الرسالة ما بين عام 66 أو 67 ميلادية، حيث كتبها مار بولس إلى تلميذه طيموثاوس من السجن في روما بعد نحو سنة أو سنتين قضاهما طليق السراح، ثم قبض عليه مرة أخرى، ويكاد يكون هنا وحيدًا في السجن، وهو يكتب الرسالة ليسلم الشعلة إلى الجيل الجديد من قادة الكنيسة، ويطلب من الاخرين أن يزوروه.
كان الرسول بولس يواجه الموت، ولم يكن يواجه الموت ملازمًا الفراش في غرفة الانعاش في مستشفى يلتف حوله أحباؤه بل كان في ملء حيويته، وهو يواجه النهاية. لقد كان يقضي أيامه الأخيرة في سجن روماني، مقطوع عن العالم، لا يزوره سوى واحد او اثنين، وليس معه سوى ادوات الكتابة، في انتظار لحظة استشهاده كشاهد ليسوع المسيح.
بهذه الرسالة كان بولس الرسول يعلم أن لحظة تنفيذ الاعدام وشيكة (2 طيم 4/6)، ولذلك كتب خلاصة أفكاره لابنه طيموثاوس، مسلمًا له شعلة القيادة، ومذكرًا اياه بما له أهمية حقيقية، ومشجعًا له في الايمان.
2- التحليل الكتابي – البيـبلي (Esegetic)
تعتبر هذه الرسالة من اكثر رسائل مار بولس الرسول ألفة ودفئًا، فهي رسالته الأخيرة لابنه طيموثاوس، وفي اللحظات التي كان يواجه فيها الموت.
ففي هذه الرسالة يحرض الرسول بولس تلميذه طيموثاوس أن يتمسك بالتعليم الصحيح، وان يرفض الخطأ والمجادلات الغبية، وأن يعرف ” كلمة الله “، وان يحفظ حياته الطاهرة.
يستهل الرسول بولس رسالته بمقدمة رقيقة، تنساب محبته لطيموثاوس من كل عبارة فيها، ثم يذكره بالصفات اللازمة للخادم الأمين ليسوع المسيح، حيث يجب على طيموثاوس ان يذكر دعوته ويسـتخدم مواهبه بكل جرأة، وان يتمسـك بالحق بكل قوة، وان يُعد آخرين لمواصـلة الخدمة، وان يكون منضبطاً مستعدًا لاحتمال المشقات كجندي، وكرياضي وكفلاح، وان يوجه أنظاره وفكره إلى يسوع المسيح.
بعد ذلك يحذر الرسول بولس طيموثاوس من المقاومات التي سيواجهها هو وغيره من المؤمنين في الأيام الأخيرة من أناس أنانيين، يستغلون الكنيسة لمنفعتهم الخاصة، ويعلمون تعاليم باطلة. ويطلب منه ان يتشجع ويستمد قوته من كلمة الله، وان يكرز بها.
3- الاطار الليتورجي
* علاقة هذه القراءة بنصوص الصلاة الفرضية :
تدور صلاة الفرض للاحد الثاني بعد الميلاد بالمدراش عن ولادة يسوع المسيح الذي ابهج السماء والارض، وفرح الكهنة والملوك والانبياء بولادته، وبه اكتملت النبوءات، لان العذراء بهذا اليوم انجبت عمانوئيل (الله معنا)، ثم يستشهد باشعيا النبي الذي يتكلم على يسوع نور العالم الذي به تحقق لنا الخلاص. (الحوذرا – الجزء الاول، صفحة 109).
* علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الاخرى :
نلاحـظ في قراءات العهـد القديم : القـراءة الاولى (خـر 2/ 1-10) والقـراءة الثانيـة (اشعيا 49/ 1-6) مع قراءة العهد الجديد من انجيل (لوقا 2/ 21-52) تشابهًا في المحاور الرئيسية : كلها تؤكد ولادة من سينقل كلمة الله للعالم، كلمة الحق. ففي القراءة الاولى تتحدث عن ولادة موسى النبي، الذي نقل كلمة الله للشعب العبراني وبقى يعلمهم التعليم الصحيح الصادر من الله.
بينما نجد في القراءة الثانية من نبوءة اشعيا : ” يقولُ الرّبُّ الذي جبلني في الرّحمِ لأكونَ لهُ عبدًا وأَرُدَّ يعقوبَ إليهِ وأجمعَ إسرائيل. قد تمجَّدتُ أمامَ الربّ وصار إلهي عزّتي، ثم قال يسيرٌ أن تكونَ لي عبدًا لتُقيمَ قضيبَ يعقوب وترُدَّ فَرْعَ إسرائيل. قد جعلتُك نورًا للأُمم لتكون خلاصي إلى أقاصي الأرض “.
أما إنجيل لوقـا، فيتكلم عن اختتان يسـوع ونموه بالروح والنعمـة ووقوفه امام المعلمين بالهيكل، يجادلهم، وكان كل الذين يسـمعونه منبهرين من حكمته وأجوبته، فهو المعلم الصالح والمرشد الذي يرشدنا إلى كلمة الله.
4- رسالة هذا النص إلى عالمنا المعاصر (تأوين)
نتعلم من هذه القراءة بانه عند المجادلات، علينا ان نتجنب الاحاديث الباطلة والكلام الفارغ الذي ليس له معنى روحي، حيث اننا سوف نصرف ساعات طويلة بنقاشات ونظريات بعيدة عن جوهر الايمان والحياة المسيحية، وبالتالي سوف نثير الغضب ونجرح مشاعر الآخرين.
علينا ان نتبع التعليم الصحيح، الذي يؤدي إلى الحيـاة الابدية، وان نتمسـك بكلمة الله، لا ننجرف وراء الاباطيل والاشاعات والدعايات التي يطلقها بعض الناس او المعلمون الكذبة كما نرى في هذا النص، حيث كانوا ينكرون قيامة الأجساد، فكانوا يعتقدون أنه عندما يصبح شخصًا مسـيحيًا، فأنه يولد ثانية ولادة روحية، وهذه هي القيامة لا غير. كانت القيامـة عندهم رمزية وليست جسدية. ولكن بولس الرسول علّم بوضوح ان المؤمنين سيقومون بعد الموت، سـتحيا أجسادهم وأرواحهم مع المسيح إلى الابد. فلا يمكننا ان نصوغ تعاليم الكتاب المقدس لتتماشى مع آرائنا، لاننا اذا فعلنا ذلك نضع أنفسنا فوق الله والكنيسة! وانما يجب علينا ان نصوغ آراءنا مع كلمة الله وتعاليم الكنيسة المقدسة.
اذا اتبعنـا التعليم الصحيح وسـرنا بموجبه لا يمكن ان يكون هنـاك مجال للخصومات او المجادلات غير النافعة، لان الحق يظهر مهما حاولوا اخفاءه، مثل الشـمس السـاطعة يظهر نورها رغم كل محاولات الاخفاء الذي يقوم بها بعض النـاس البعيدين عن الايمان، مهما كان عددهم او الذين يتبعونهم، فـان حق الله لا