الرسول توما قدوتنا في الإيمان بيسوع العدد (90)
الرسول توما في سطور
تحتفل الكنيسة الكلدانية في الثالث من شهر تموز بتذكار القديس توما الرسول، وتعتبره هذه الكنيسة شفيعها، وعيد البطريركية الكلدانية، لذا فلقد كرست كنيستنا في بغداد كنيسة لإسم مار توما.
ما هو السبب الذي جعل كنيستنا المشرقية تعطي أَهمية كبرى للقديس الرسول توما ؟
لا بُدَّ أن السبب يرتقي بتاريخ هذا الرسول إلى القرن الميلادي الأول.
تذكر بعض المصادر أنّ الذي أَعلن البشرى الإنجيلية في بلاد النهرين هو توما الرسول، إذ مَرَّ بها، وهو في طريقه إلى الهند، حيث أعلن بشارة الإنجيل، واستشهد في منتصف القرن الأول.
وفي القرن الميلادي الرابع، جلبت بعض ذخائره من الهند إلى الرها، أورفا الحالية في تركيا، حيث أُقيمت على إسمه كنيسة كبيرة، وصار أهل البلاد يكرمون هذا القديس إكرامًا عظيمًا، حتى وضعوا كنيستهم المشرقية تحت شفاعته.
يسوع يقود الرسول توما من الشك إلى اليقين
يروي لنا يوحنا الإنجيلي الحادثة الآتية عن توما الرسول : ” ظهر يسوع للتلاميذ بعد قيامته، إلاّ ان تـوما كان غائبًا عندما جاء يسوع، فقال له التلاميذ : ” رأينا الرب “، فأجابهم : لا أؤمن إلا إذا رأيتُ أثر المسامير في يديه، ووضعتُ أصبعي في مكان المسمارين، ويدي في جنبه لن أؤمن. وبعد ثمانية أَيام كان التلاميذ في البيت مرة أخرى، وكان توما معهم، فجاء يسوع والأبواب مغلقة، فوقف بينهم وقال : ” السلام عليكم “.
ثم قال لتوما : ” هاتِ إِصبعكَ إلى هنا، فانظر يديَّ، وهاتِ يدك فضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا “. أَجابه توما : ” ربي وإلهي ” فقال له يسوع : ” أَلأنك رأيتني آمنت ؟ طوبى للذين يؤمنون ولم يروا ” (يوحنا 26:20-29)
لم يبدِ يسوع أيَّ عتاب في ظهوره الثاني، الذي قام به خصيصًا لتوما، لا بل يظهر يسوع الكثير من التفهم لمطالبه، إذ يقدم ذاته لتوما لكي يتأكد بنفسه من قيامته المجيدة، كما تمنى توما.
قدّم يسوع لتوما جنبه المطعون بالحربة، وقدّم له يديه وفيها آثار المسامير، بما أن التلميذ توما يريد أن يلمس لكي يتوصل إلى الإيمان.
إلاّ أن دعوة يسوع سوف تقود توما، وتقودنا نحن معه، إلى أبعد مما كان قد تخيّل، ولا زالت رؤية يسوع بعيني الجسد أمرًا سطحيًا، ألم يره اليهود وبقوا بعيدين من يسوع ؟
فهناك فرح أكثر عمقًا تعطيه النظرة الروحية، إنها تهاني الإيمان تلج أسرار الله : ” لا تكن غير مؤمن، بل مؤمنًا “.
هذه الأمور المذهلة تتفجر، أَكثر قوّة من عدم الإيمان والشكوك التي راودت توما في البداية، إن إعلان إيمان توما سوف يرن منذ تلك اللحظة في الكنيسة عبر الأجيال كلها، لا أحد مثل توما بإمكانه أن يعلن إيمانه بسر المسيح ” أنت ربي، أنت إلهي “. نعم ” طوبى للذين آمنوا ولم يروا “.
هناك بين المسيحيين، الذين آمنوا منذ نعومة أَظفارهم بدون أي صعوبة، واستمروا على هذا الإيمان بكل فرح، هنيئًا لهم على هذه النعمة. إلاّ أن هناك البعض يطالبون ببراهين بسبب ضباب الشك الذي يحيط بهم، إما بسبب قلة المعلومات الدينية التي تلقوها في صغرهم وعبر حياتهم، أو بسبب بعض الإنقسامات الموجودة في الكنيسة.
فلا يجوز أن يقطع الأمل هؤلاء، الذين يشبهون توما. فالمسيح قد قام، وأعدّ لكل واحد مفاجآت تنفجر من قلبه وبين يديه المفتوحتين للجميع.
سوف يعطي علامات واضحة في الوقت الذي حدده هو لكل واحد، هو الذي إنتظر أسبوعًا لكي يلتقي بتوما ويكشف له سر شخصيته كلها ويعيده إلى طريق الإيمان.
فمن واجبنا جميعًا أن نصلي لكي يمنحنا الله هذه النعمة، لنا ولجميع الذين لديهم صعوبات مثل هذه.
فلقد جعل يسوع الحي من توما المتشكك رسولاً متحمسًا وبشّر بالمسيح في الشرق، أتى إلى بلاد النهرين وذهب إلى الهند، سوف يستعمل يسوع أساليب عديدة لكي يبلغ ويصل إلى الناس الذين يشبهون توما، إما يستخدمنا نحن ويستخدم كلماتنا، أو أنه يتحدث إليهم مباشرةً كما صنع مع توما.
لنكن على ثقة تامة : أن يسوع الحي لا ينسى أحدًا ولن يحرم أيَّ أحد من نعمة الإيمان.
إن يسوع القائم من بين الأموات هو حي ولن يموت أبدًا، لدينا كل الأسباب التي تجعلنا نتسلح بالثقة المطلقة بقوة حية لنا : يحب ولا ينسى أحدًا، ولكن ينتظر كل واحد ليدعوه إلى الإيمان… خاصةً الذين لديهم صعوبات إيمانية مثل توما.