الافتتاحية
” الربيع العربي “ في ضوء مفهوم السلطة في الانجيل العدد (70)
” الربيع العربي “
في ضوء مفهوم السلطة في الإنجيل
لنزاع على السلطة بيـن تلاميذ يسوع
جرت نزاعات عديدة بين تلاميذ يسوع الإثني عشر على تولي السلطة في المملكة التي كانوا يظنّون أن المسيح مزمع إقامتها في هذا العالم، نذكر بعضًا منها :
– تقدم يومًا إثنان من التلاميذ، وهما يعقوب ويوحنا إبنا زبدى من يسوع، طالبين منه أن تسند إليهما المناصب الأولى، فقالا له : ” يا معلم، نريد أن تصنع لنا ما نســألــك “، فقـال لهمــا : ” مـــاذا تـــريـــدان أن أَصـنــع لـكــمـا ؟ “، قـالا لـه : ” إمنـحـنـــا أن يجلــسَ أَحــدنا عــن يمــينـــك، والآخـــر عـن شمـالك في مـلكــوتــك “ (متى 21/20 ؛ مرقس 35/10-37) ؛ أي أنهما يريـدان أن يصبحا نائبي يسـوع في مملكتـه (الأرضيـة). ” سمـع التلاميذ العشرة هذا الكلام، فاستاءوا من الأخوين “ (متى 24/20 ؛ مرقس 41/10).
– ” وجاء (التلاميذ) يومًا إلى كفرناحوم، فلما دخل (يسوع) البيت سألهم : فيمَ كنتم تتجادلون في الطريق ؟ فظلّوا صامتين، لأنهم كانوا في الطريق يتجادلون في من هو الأكبر “ (مرقس 33/9-34).
– ” ووقع بين الرسل يومًا جدال في من يعَدُّ الأكبر بينهم “ (لوقا 24/22).
النزاع على السلطة في العالم
إنتهز يسوع هذه الفرص ليلقي تعليمه ويعرض مفهومه عن السلطة ؛ وبدأ بتقديم مفهـوم السلطة لدى رؤسـاء الأمم والشعوب قائلاً لتلاميذه : ” تعلمون أن الذين يُعدّون رؤساء الأمم، يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها “ (مرقس 42/10) ؛ وقال مرة أخرى : ” إن ملوك الأمم يسودونها، وأصحاب السلطة فيها يريدون أن يدعوا محسنين “ (لوقا 25/22).
بهذا شرح يسوع مفهوم السلطة لدى رؤساء الأمم وملوكها : إنها السيادة على رعاياهم، والسيطرة عليهم ؛ تحقيقًا لمصالحهم الذاتية والتباهي بمنزلتهم، وإذا قاموا بأحد واجباتهم، حسبوا ذلك مكرمةً وإحسانًا.
ساد مفهوم السلطة لدى الرؤساء والملوك والأباطرة الذي شرحه يسوع عبر القرون في كل الممالك والدول التي قامت.
لا زالت كلمات يسوع تعبر عن واقع مفهوم السلطة في عالمنا المعاصر ؛ يكفي لكي نرى ذلك، أن نلقي نظرة على عالمنا اليوم ؛ فإن عدد الدول التي تحكمها دكتاتوريات تجثم على صدور رعاياها، تحت مظلة أنظمة جمهورية أو ملكية، يفوق عدد الدول الديمقراطية، حيث ينتخب أبناء الشعوب رؤساءهم وممثليهم بكل حرية وشفافية.
يكفي أن نستعرض ما جرى مؤخرًا في بعض الدول العربية، منها تونس وليبيا ومصر، التي حكمها رؤساء مستبدون مدة ثلاثين سنة وأكثر، فثارت شعوبها عليهم، وانهارت أَنظمتهم المستبدة خلال أيام قلائل، وكأنها قصور كارتونية، الظاهرة التي أُطلقت عليها تسمية ” الربيع العربي “.
مفهوم ” السلطة “ لدى يسوع
لا يكتفي يسوع بانتقاد رؤساء دول العالم وملوكها، الذين يسودون شعوبهم ويسيطرون عليهم بالحديد والنار، ولكنه يقدم المفهوم البديل والعادل للسلطة.
تتسم فكرة يسوع عن السلطة بالإتزان، فهو ليس ثورويًا ساذجًا ولا فوضويًا، ينكر ضرورة وجود السلطة في المجتمع، أو إقامة عالم بدون رئاسة، أو إزالة السلطة وإقامة سلطة بديلة، لربما تكون اسوأ من الأولى.
فالسلطة، على غرار المال والذرّة، ليست أمرًا سيئًا، بل أمر جيد ؛ إلاّ أن سوء استعمال السلطة يجعل السلطة إستبدادًا، وسوء استعمال المال يجعل من المال صنمًا يُعبد، وسوء استعمال الذرّة، يجعل الذرّة خطرًا على البشر.
يؤكّد يسـوع ضـرورة وجـود السـلطة، فلقـد أعلـن نفسـه ربًّا ومعلمًا، قائلاً لتلاميذه : ” أنتــم تـدعـوني المعلـم والـرب، لقـد أصبتـم فيمـا تقـولون، فأنا كذلك “ (يوحنا 13/13-14).
أعلن يسوع مفهومه للسلطة قائلاً لتلاميذه : ” من أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن خادمًا، ومن أراد أن يكون الأول، فليكن عبدًا “ (متى 26/20-27).
فالسلطة في مفهوم يسوع هي خدمة، والرئاسة خدمة، والرؤساء خدام الشعب.
دعم يسوع قوله بالعمل، لكي يثبت مصداقية مفهومه، حينما قام بمبادرة شرحت عمليًا مفهـوم السلطـة لديه، حينما غسـل أرجـل تلاميـذه خـلال عشائـه الفصحـي الأخيـر (يوحنا 4/13-12) ؛ وسبـق وقـال : ” إن إبـن البشـر لــم يـأت ليخدِمـه الآخرون، بل ليَخدُم ويَبذُل نفسه فداءً لجماعة الناس “ (متى 28/20).
وطلـب من رسلـه أن يقتـدوا به قائلاً : ” أنتم تدعونني ” المعلم والرب “ وأصبتم في ما تقولون، فهكذا أنا، فإذا كنتُ أنا الرب والمعلم قد غسلتُ أقدامكم، فيجب عليكم أَنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أَقدام بعض، فلقـد جعلتُ لكـم من نفسـي قـدوة لتصنعـوا أنتــم أيضًا ما صنعـتُ إليكم “ (يوحنا 13/13-15).
نجد هذا الأمر مطبقًا في الكنيسة، فإن الرتب التي تقوم بها في سبيل الشعب تدعى خدمة (ةشمشت)، والشخص الذي يساعد الكاهن في المراسيم يسمى خادمًا (مشمشنا)، ورئيس الكنيسة الأعلى، أي قداسة بابا روما، يوقع رسائله ” خادم خدام المسيح “.
من هو المسؤول الجيد ؟
لو مارس الرؤساء والملوك سلطاتهم حسب مفهوم يسوع، لما كانت الصراعات على السلطة واللجوء إلى قوة السلاح والقتل وسفك الدماء.
لنتمكن من التعرف على من هو ” المسؤول الجيد “ علينا البدء بمراجعة حياتنا بنزاهة ؛ ألا يوجد داخل قلوبنا الرغبة للسيادة على من نحن مسؤولون عنهم : في العائلة، أو في محيط العمل ؟ ألا نميل إلى إتخاذ قرارات لا تقبل النقاش، بل تفرض فرضًا ؟ ؛ يقول لنا يسوع في هذه الحالات : ” أما أنتم فلا يكن فيكم هكذا “.
السلطة الجيدة هي تلك التي تستخدم لخدمة المرؤوسين، لتساعدهم في التفتح وتحقيق الذات والنمو ليصبحوا بدورهم رؤساء جيدين.
المسؤول الجيد هو ذاك الذي يعرف أن ينصت ويستمع إلى الآخرين، ويتفهمهم ويحترمهم ويقيّم آراءَهم وطروحاتهم، ولا يستعمل سلطته للسيادة عليهم وإذلالهم واستخدامهم لتحقيق مآربه.
المسؤول الجيد هو ذاك الذي يعرف كيف يشارك مرؤوسيه في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
المعلم الجيد هو ذاك الذي يعرف كيف يحفز تلاميذه ليقوموا بمبادرات خلاقة.
الأهل الجيدون هم أولئك الذين لهم فن مساعدة أولادهم لينفتحوا ويتعلموا أن يتحملوا مسؤولياتهم في الحياة بأنفسهم.
الخورنات الجيدة هي تلك التي تشارك رعاياها في النشاطات المختلفة، وذلك في
في ضوء مفهوم السلطة في الإنجيل
لنزاع على السلطة بيـن تلاميذ يسوع
جرت نزاعات عديدة بين تلاميذ يسوع الإثني عشر على تولي السلطة في المملكة التي كانوا يظنّون أن المسيح مزمع إقامتها في هذا العالم، نذكر بعضًا منها :
– تقدم يومًا إثنان من التلاميذ، وهما يعقوب ويوحنا إبنا زبدى من يسوع، طالبين منه أن تسند إليهما المناصب الأولى، فقالا له : ” يا معلم، نريد أن تصنع لنا ما نســألــك “، فقـال لهمــا : ” مـــاذا تـــريـــدان أن أَصـنــع لـكــمـا ؟ “، قـالا لـه : ” إمنـحـنـــا أن يجلــسَ أَحــدنا عــن يمــينـــك، والآخـــر عـن شمـالك في مـلكــوتــك “ (متى 21/20 ؛ مرقس 35/10-37) ؛ أي أنهما يريـدان أن يصبحا نائبي يسـوع في مملكتـه (الأرضيـة). ” سمـع التلاميذ العشرة هذا الكلام، فاستاءوا من الأخوين “ (متى 24/20 ؛ مرقس 41/10).
– ” وجاء (التلاميذ) يومًا إلى كفرناحوم، فلما دخل (يسوع) البيت سألهم : فيمَ كنتم تتجادلون في الطريق ؟ فظلّوا صامتين، لأنهم كانوا في الطريق يتجادلون في من هو الأكبر “ (مرقس 33/9-34).
– ” ووقع بين الرسل يومًا جدال في من يعَدُّ الأكبر بينهم “ (لوقا 24/22).
النزاع على السلطة في العالم
إنتهز يسوع هذه الفرص ليلقي تعليمه ويعرض مفهومه عن السلطة ؛ وبدأ بتقديم مفهـوم السلطة لدى رؤسـاء الأمم والشعوب قائلاً لتلاميذه : ” تعلمون أن الذين يُعدّون رؤساء الأمم، يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها “ (مرقس 42/10) ؛ وقال مرة أخرى : ” إن ملوك الأمم يسودونها، وأصحاب السلطة فيها يريدون أن يدعوا محسنين “ (لوقا 25/22).
بهذا شرح يسوع مفهوم السلطة لدى رؤساء الأمم وملوكها : إنها السيادة على رعاياهم، والسيطرة عليهم ؛ تحقيقًا لمصالحهم الذاتية والتباهي بمنزلتهم، وإذا قاموا بأحد واجباتهم، حسبوا ذلك مكرمةً وإحسانًا.
ساد مفهوم السلطة لدى الرؤساء والملوك والأباطرة الذي شرحه يسوع عبر القرون في كل الممالك والدول التي قامت.
لا زالت كلمات يسوع تعبر عن واقع مفهوم السلطة في عالمنا المعاصر ؛ يكفي لكي نرى ذلك، أن نلقي نظرة على عالمنا اليوم ؛ فإن عدد الدول التي تحكمها دكتاتوريات تجثم على صدور رعاياها، تحت مظلة أنظمة جمهورية أو ملكية، يفوق عدد الدول الديمقراطية، حيث ينتخب أبناء الشعوب رؤساءهم وممثليهم بكل حرية وشفافية.
يكفي أن نستعرض ما جرى مؤخرًا في بعض الدول العربية، منها تونس وليبيا ومصر، التي حكمها رؤساء مستبدون مدة ثلاثين سنة وأكثر، فثارت شعوبها عليهم، وانهارت أَنظمتهم المستبدة خلال أيام قلائل، وكأنها قصور كارتونية، الظاهرة التي أُطلقت عليها تسمية ” الربيع العربي “.
مفهوم ” السلطة “ لدى يسوع
لا يكتفي يسوع بانتقاد رؤساء دول العالم وملوكها، الذين يسودون شعوبهم ويسيطرون عليهم بالحديد والنار، ولكنه يقدم المفهوم البديل والعادل للسلطة.
تتسم فكرة يسوع عن السلطة بالإتزان، فهو ليس ثورويًا ساذجًا ولا فوضويًا، ينكر ضرورة وجود السلطة في المجتمع، أو إقامة عالم بدون رئاسة، أو إزالة السلطة وإقامة سلطة بديلة، لربما تكون اسوأ من الأولى.
فالسلطة، على غرار المال والذرّة، ليست أمرًا سيئًا، بل أمر جيد ؛ إلاّ أن سوء استعمال السلطة يجعل السلطة إستبدادًا، وسوء استعمال المال يجعل من المال صنمًا يُعبد، وسوء استعمال الذرّة، يجعل الذرّة خطرًا على البشر.
يؤكّد يسـوع ضـرورة وجـود السـلطة، فلقـد أعلـن نفسـه ربًّا ومعلمًا، قائلاً لتلاميذه : ” أنتــم تـدعـوني المعلـم والـرب، لقـد أصبتـم فيمـا تقـولون، فأنا كذلك “ (يوحنا 13/13-14).
أعلن يسوع مفهومه للسلطة قائلاً لتلاميذه : ” من أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن خادمًا، ومن أراد أن يكون الأول، فليكن عبدًا “ (متى 26/20-27).
فالسلطة في مفهوم يسوع هي خدمة، والرئاسة خدمة، والرؤساء خدام الشعب.
دعم يسوع قوله بالعمل، لكي يثبت مصداقية مفهومه، حينما قام بمبادرة شرحت عمليًا مفهـوم السلطـة لديه، حينما غسـل أرجـل تلاميـذه خـلال عشائـه الفصحـي الأخيـر (يوحنا 4/13-12) ؛ وسبـق وقـال : ” إن إبـن البشـر لــم يـأت ليخدِمـه الآخرون، بل ليَخدُم ويَبذُل نفسه فداءً لجماعة الناس “ (متى 28/20).
وطلـب من رسلـه أن يقتـدوا به قائلاً : ” أنتم تدعونني ” المعلم والرب “ وأصبتم في ما تقولون، فهكذا أنا، فإذا كنتُ أنا الرب والمعلم قد غسلتُ أقدامكم، فيجب عليكم أَنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أَقدام بعض، فلقـد جعلتُ لكـم من نفسـي قـدوة لتصنعـوا أنتــم أيضًا ما صنعـتُ إليكم “ (يوحنا 13/13-15).
نجد هذا الأمر مطبقًا في الكنيسة، فإن الرتب التي تقوم بها في سبيل الشعب تدعى خدمة (ةشمشت)، والشخص الذي يساعد الكاهن في المراسيم يسمى خادمًا (مشمشنا)، ورئيس الكنيسة الأعلى، أي قداسة بابا روما، يوقع رسائله ” خادم خدام المسيح “.
من هو المسؤول الجيد ؟
لو مارس الرؤساء والملوك سلطاتهم حسب مفهوم يسوع، لما كانت الصراعات على السلطة واللجوء إلى قوة السلاح والقتل وسفك الدماء.
لنتمكن من التعرف على من هو ” المسؤول الجيد “ علينا البدء بمراجعة حياتنا بنزاهة ؛ ألا يوجد داخل قلوبنا الرغبة للسيادة على من نحن مسؤولون عنهم : في العائلة، أو في محيط العمل ؟ ألا نميل إلى إتخاذ قرارات لا تقبل النقاش، بل تفرض فرضًا ؟ ؛ يقول لنا يسوع في هذه الحالات : ” أما أنتم فلا يكن فيكم هكذا “.
السلطة الجيدة هي تلك التي تستخدم لخدمة المرؤوسين، لتساعدهم في التفتح وتحقيق الذات والنمو ليصبحوا بدورهم رؤساء جيدين.
المسؤول الجيد هو ذاك الذي يعرف أن ينصت ويستمع إلى الآخرين، ويتفهمهم ويحترمهم ويقيّم آراءَهم وطروحاتهم، ولا يستعمل سلطته للسيادة عليهم وإذلالهم واستخدامهم لتحقيق مآربه.
المسؤول الجيد هو ذاك الذي يعرف كيف يشارك مرؤوسيه في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
المعلم الجيد هو ذاك الذي يعرف كيف يحفز تلاميذه ليقوموا بمبادرات خلاقة.
الأهل الجيدون هم أولئك الذين لهم فن مساعدة أولادهم لينفتحوا ويتعلموا أن يتحملوا مسؤولياتهم في الحياة بأنفسهم.
الخورنات الجيدة هي تلك التي تشارك رعاياها في النشاطات المختلفة، وذلك في