الافتتاحية
الذي خلّف ما مات ! العدد (74)
” الذي خلّف ما مات “
حينما يريد أبناء مجتمعنا أن يعزّوا أولادَ شخصٍ تـوفاه الله، يـردّدون لهم العبـارة الآتيـة : ” الذي خلّف مـا مات ! “، أي : بمـا أن والـدكم خلّف أولادًا، فإنه، بالرغم من إنتقاله من هذه الدنيـا، فإنـه لـم يمت في الواقع، لأن المتوفى خلّف أولادًا يخلدون ذكراه.
ما هو اذن مصير كل الذين لم يخلّفوا أولادًا على هذه الأرض ؟ أي الذين كرّسوا حياتهم الأرضية لله وللكنيسة ولم يتزوّجوا : من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، والذين تزوجوا ولم يثمر زواجهم أولادًا لسبب ما ؟ فهل كل الذين وافتهم المنية من هؤلاء قد ماتوا ؟ والذين سيتوفون أمثال هؤلاء في المستقبل سيموتون ويطويهم النسيان ؟ ويبقى الذين خلّفوا وحدهم أحياء لا يموتون ؟
2- مفهوم خاطئ عمره أكثر من ألفي سنة
ليس هذا المفهوم الخاطئ جديدًا، إنه قديم جدًا، ويرتقي عمره إلى أكثر من ألفي سنة.
إذ نقـرأ فـي الإنجيـل المقدس، أن قومًا من الصدوقيين أتوا إلى يسوع مستفسرين عن مصير الذين تزوجوا وماتوا دون ان يخلّفـوا أولادًا قائليـن له :
” يا معلم، إنّ موسى كتب علينا : ” إذا ماتَ لامرىءٍ أخٌ فترك آمرأته ولم يخلّف ولدًا، فليأخذ أخوه المرأة ويقم نسلاً لأخيه. كان هناك سبعةُ إخوة. فأخذ الأول آمرأة ثم مات ولم يخلّف نسلاً. فأخذها الثاني ثم مات ولم يخلف نسلاً. وكذلك الثالث. ولم يخلّف السبعة نسلاً. ثم ماتت المرأة من بعدهم جميعًا. ففي القيامة حين يقومون، لأيِّ منهم تكون آمرأة ؟ فقد اتخذها السبعة آمرأة ” (مرقس 19/12-23).
ظنَّ هؤلاء اليهود الصديقيون، أنهم وجدوا الحل لمعضلة الذي مات ولم يخلف ولدًا، فلكي لا تموت ذكراه، سمحت الشريعة القديمة (تث 5/25-10) أن يتزوج أخوه امرأته ليقيم نسلاً لأخيه ؛ فينتسب الأولاد إلى عمهم الذي مات بدون خَلَف، وليس إلى والدهم الحقيقي ؛ بالرغم من أن الشريعة القديمة عادت وحرمت هذا الامر (أحبار 16/18 و 21/20).
3- سبب خطأ هذا المفهوم
إن سبب خطأ مفهوم هؤلاء الصدوقيين هو أنهم لم يكن لهم رجاء بقيامة الموتى. كما يقول الإنجيل المقدس : ” وأتاه بعض الصدوقيين، وهم الذين يقولون بأنه لا قيامة ” (مرقس 18/12).
لم يكن الصدوقيون يؤمنون بحياة الآخرة الأبدية، وكل أملهم كان أن، بعد موتهم، يتواصل ذكراهم بعد موتهم من خلال أولادهم، أو عبر الذين يحملون اسمهم، لكي لا تمحى ذكراهم، ويمحى اسمهم بين الأحياء.
يبرهن واقع حياة البشر على خطأ هذا المفهوم، إذ إن الأولاد الذين خلفهم آباؤهم ماتوا هم أيضًا، وأولاد هؤلاء هم أيضًا ماتوا وطوى النسيان جميع هؤلاء، وماتت ذكراهم كما يقول النبي داود في سفر المزامير :
” الإنسان كالعشب أيامه
وكزهر الحقل يزهر
” الذي خلّفَ ما مات !
إذا هبت عليه ريح
فلن يكون
ولا يعرف موضعه بعدُ ” (المزمور 15/103).
4- توجيهات قوانين كنيسة المشرق
عالج المطران ايشوعبوخت (القرن 9/8) هـذا الموضوع فـي مجموعته القانونيـة ” كتاب الأحكام الكنسية ” في النص الآتي :
السؤال : لماذا لا يجوز إتخاذ زوجة الأخ، في حين قد سنّت الشريعة القديمة ما يأتي : ” … إذا مات رجلٌ وليس له أولاد، فليأخذ أخوه زوجته ويقيم نسلاً لأخيه “ (الاشتراع 5/25-10).
الجواب : … لقد سنت (الشريعة القديمة) أن يتزوج الأخ إمرأة أخيه المتوفى، بحيث يعْتبر الطفل المولود إبن الأخ المتوفى، وذلك لأنهم لم يكن لهم رجاء بالقيامة وبالحياة العتيدة، وكل سلواهم كانت تكمن في الأمر الآتي : أن يخلد اسمهم بعد موتهم وتخلد ذكراهم من خلال أولادهم أو عبر الأطفال الذين يدعون بإسمهم، لكي لا تُمحى ذكراهم بين الأحياء.
أما نحن، بما أن الحياة الجديدة والعتيدة قد أوحيت لنا، فإننا نعتبر هذا العالم هباءً، لأننا نؤمن أنه أمام منبر الله، لا يستفيد الأب من ابنه ولا الأخ من أخيه، ولكن كل واحد يحاسب حسب أعماله، لذا فإننا نعتبر باطلة الذكرى بعد الموت، فاذا تركنا أولادًا عديدين لا نستفيد شيئًا، وإذا هجرنا هذا العالم بدون أولاد، فإن هذا الأمر لا يغيرنا شيئًا “(1).
5- جواب يسوع للصدوقيين : الخلود السعيد لمن تثمر حياته أعمالاً صالحة تخلده في السماء
أجاب يسوع الصدوقيين الذين أتوا مستفسرين منه عن مصير الذين يموتون من دون أن يتركوا نسلاً قائلاً : ” أنتم في ضلال، لأنكم لا تعرفون الكتب (المقدسة) ولا قدرة الله. فعندما يقوم الناس من بين الأموات، فلا الرجال يتزوجون ولا النساء يزوجن، بل يكونون مثل الملائكة في السماوات، وأما أن الأموات يقومون، أفما قرأتم في كتاب موسى، عند ذكر العليقة، 0كيف كلمه الله فقال :
أنا إله إبراهيم
وإله إسحق وإله يعقوب
وما كان إله اموات، بل إله احياء
فأنتم في ضلال كبير ” (مرقس 24/12-27).
إذن يسوع يؤكد أن الخلود الحقيقي يكون في السماء وليس على الأرض، فلا خلود على الأرض، كل شيء في الأرض فانٍ، له بداية وله نهاية.
إن الذي يخلدنا أمام الله في الآخرة هو ما نقوم به من الأعمال الصالحة، كما أكد يسوع، أنه سوف يقول للصالحين في غروب الحياة : ” تعالوا، يا من باركهم أبي، رثوا الملكوت المعـد لكم منذ إنشـاء العالم، لأنـي جعـتُ فأطعمتمونـي، وعطشتُ فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليَّ…. الحق أقول لكم كلما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من أخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه… ويذهب الأبرار إلى الحياة الأبدية ” (متى 31/25-40).
6- خلود يسوع عبر رسالته الأرضية وموته وقيامته
لم يتزوج يسوع المسيح ولم يخلّف أولادًا بحسب الجسد، ولكنه دخل عالم الخلود السعيد بعد موته وقيامته المجيدة.
إن دخول يسوع المسيح عالم الخلود المجيد هو ثمرة تكميله لرسالته الخلاصية على الأرض، كما قال في صلاته إلى أبيه السماوي في ختام حياته الأرضية :
“ إني قد مجدتك في الأرض فأتممتُ العمل الذي وكّلتَ إليَّ أن أعمله، فمجّدني الآن عندك يا أبتِ بما كان لي من المجد عندك، قبل أن يكون العالم، أظهرتَ آسمك للناس الذين وهبتهم لي…. إن الكلام الذي بلّغتنيه بلغتهم إياه، فقبلوه وعرفوا حقًا. إني من لدنك خرجتُ وآمنوا بأنك أنت أرسلتني… ” (يوحنا 4/17-10).
هذا هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى الخلود السعيد، الذي منحه أمامنا يسوع المسيح ؛ علينا الاقتداء بيسوع، أي أن نكمل إرادة الله في حياتنا ونقوم بالأعمال الصالحة التي كلفنا القيام بها، وهذه الأعمال الصالحة هي التي ستدخلنا عالم الخلود السعيد.
(1) ايشوعبوخت، كتاب الاحكام الكنسية ص 42-45
1- مفهوم إجتماعي مغلوط
حينما يريد أبناء مجتمعنا أن يعزّوا أولادَ شخصٍ تـوفاه الله، يـردّدون لهم العبـارة الآتيـة : ” الذي خلّف مـا مات ! “، أي : بمـا أن والـدكم خلّف أولادًا، فإنه، بالرغم من إنتقاله من هذه الدنيـا، فإنـه لـم يمت في الواقع، لأن المتوفى خلّف أولادًا يخلدون ذكراه.
ما هو اذن مصير كل الذين لم يخلّفوا أولادًا على هذه الأرض ؟ أي الذين كرّسوا حياتهم الأرضية لله وللكنيسة ولم يتزوّجوا : من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، والذين تزوجوا ولم يثمر زواجهم أولادًا لسبب ما ؟ فهل كل الذين وافتهم المنية من هؤلاء قد ماتوا ؟ والذين سيتوفون أمثال هؤلاء في المستقبل سيموتون ويطويهم النسيان ؟ ويبقى الذين خلّفوا وحدهم أحياء لا يموتون ؟
2- مفهوم خاطئ عمره أكثر من ألفي سنة
ليس هذا المفهوم الخاطئ جديدًا، إنه قديم جدًا، ويرتقي عمره إلى أكثر من ألفي سنة.
إذ نقـرأ فـي الإنجيـل المقدس، أن قومًا من الصدوقيين أتوا إلى يسوع مستفسرين عن مصير الذين تزوجوا وماتوا دون ان يخلّفـوا أولادًا قائليـن له :
” يا معلم، إنّ موسى كتب علينا : ” إذا ماتَ لامرىءٍ أخٌ فترك آمرأته ولم يخلّف ولدًا، فليأخذ أخوه المرأة ويقم نسلاً لأخيه. كان هناك سبعةُ إخوة. فأخذ الأول آمرأة ثم مات ولم يخلّف نسلاً. فأخذها الثاني ثم مات ولم يخلف نسلاً. وكذلك الثالث. ولم يخلّف السبعة نسلاً. ثم ماتت المرأة من بعدهم جميعًا. ففي القيامة حين يقومون، لأيِّ منهم تكون آمرأة ؟ فقد اتخذها السبعة آمرأة ” (مرقس 19/12-23).
ظنَّ هؤلاء اليهود الصديقيون، أنهم وجدوا الحل لمعضلة الذي مات ولم يخلف ولدًا، فلكي لا تموت ذكراه، سمحت الشريعة القديمة (تث 5/25-10) أن يتزوج أخوه امرأته ليقيم نسلاً لأخيه ؛ فينتسب الأولاد إلى عمهم الذي مات بدون خَلَف، وليس إلى والدهم الحقيقي ؛ بالرغم من أن الشريعة القديمة عادت وحرمت هذا الامر (أحبار 16/18 و 21/20).
3- سبب خطأ هذا المفهوم
إن سبب خطأ مفهوم هؤلاء الصدوقيين هو أنهم لم يكن لهم رجاء بقيامة الموتى. كما يقول الإنجيل المقدس : ” وأتاه بعض الصدوقيين، وهم الذين يقولون بأنه لا قيامة ” (مرقس 18/12).
لم يكن الصدوقيون يؤمنون بحياة الآخرة الأبدية، وكل أملهم كان أن، بعد موتهم، يتواصل ذكراهم بعد موتهم من خلال أولادهم، أو عبر الذين يحملون اسمهم، لكي لا تمحى ذكراهم، ويمحى اسمهم بين الأحياء.
يبرهن واقع حياة البشر على خطأ هذا المفهوم، إذ إن الأولاد الذين خلفهم آباؤهم ماتوا هم أيضًا، وأولاد هؤلاء هم أيضًا ماتوا وطوى النسيان جميع هؤلاء، وماتت ذكراهم كما يقول النبي داود في سفر المزامير :
” الإنسان كالعشب أيامه
وكزهر الحقل يزهر
” الذي خلّفَ ما مات !
إذا هبت عليه ريح
فلن يكون
ولا يعرف موضعه بعدُ ” (المزمور 15/103).
4- توجيهات قوانين كنيسة المشرق
عالج المطران ايشوعبوخت (القرن 9/8) هـذا الموضوع فـي مجموعته القانونيـة ” كتاب الأحكام الكنسية ” في النص الآتي :
السؤال : لماذا لا يجوز إتخاذ زوجة الأخ، في حين قد سنّت الشريعة القديمة ما يأتي : ” … إذا مات رجلٌ وليس له أولاد، فليأخذ أخوه زوجته ويقيم نسلاً لأخيه “ (الاشتراع 5/25-10).
الجواب : … لقد سنت (الشريعة القديمة) أن يتزوج الأخ إمرأة أخيه المتوفى، بحيث يعْتبر الطفل المولود إبن الأخ المتوفى، وذلك لأنهم لم يكن لهم رجاء بالقيامة وبالحياة العتيدة، وكل سلواهم كانت تكمن في الأمر الآتي : أن يخلد اسمهم بعد موتهم وتخلد ذكراهم من خلال أولادهم أو عبر الأطفال الذين يدعون بإسمهم، لكي لا تُمحى ذكراهم بين الأحياء.
أما نحن، بما أن الحياة الجديدة والعتيدة قد أوحيت لنا، فإننا نعتبر هذا العالم هباءً، لأننا نؤمن أنه أمام منبر الله، لا يستفيد الأب من ابنه ولا الأخ من أخيه، ولكن كل واحد يحاسب حسب أعماله، لذا فإننا نعتبر باطلة الذكرى بعد الموت، فاذا تركنا أولادًا عديدين لا نستفيد شيئًا، وإذا هجرنا هذا العالم بدون أولاد، فإن هذا الأمر لا يغيرنا شيئًا “(1).
5- جواب يسوع للصدوقيين : الخلود السعيد لمن تثمر حياته أعمالاً صالحة تخلده في السماء
أجاب يسوع الصدوقيين الذين أتوا مستفسرين منه عن مصير الذين يموتون من دون أن يتركوا نسلاً قائلاً : ” أنتم في ضلال، لأنكم لا تعرفون الكتب (المقدسة) ولا قدرة الله. فعندما يقوم الناس من بين الأموات، فلا الرجال يتزوجون ولا النساء يزوجن، بل يكونون مثل الملائكة في السماوات، وأما أن الأموات يقومون، أفما قرأتم في كتاب موسى، عند ذكر العليقة، 0كيف كلمه الله فقال :
أنا إله إبراهيم
وإله إسحق وإله يعقوب
وما كان إله اموات، بل إله احياء
فأنتم في ضلال كبير ” (مرقس 24/12-27).
إذن يسوع يؤكد أن الخلود الحقيقي يكون في السماء وليس على الأرض، فلا خلود على الأرض، كل شيء في الأرض فانٍ، له بداية وله نهاية.
إن الذي يخلدنا أمام الله في الآخرة هو ما نقوم به من الأعمال الصالحة، كما أكد يسوع، أنه سوف يقول للصالحين في غروب الحياة : ” تعالوا، يا من باركهم أبي، رثوا الملكوت المعـد لكم منذ إنشـاء العالم، لأنـي جعـتُ فأطعمتمونـي، وعطشتُ فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليَّ…. الحق أقول لكم كلما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من أخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه… ويذهب الأبرار إلى الحياة الأبدية ” (متى 31/25-40).
6- خلود يسوع عبر رسالته الأرضية وموته وقيامته
لم يتزوج يسوع المسيح ولم يخلّف أولادًا بحسب الجسد، ولكنه دخل عالم الخلود السعيد بعد موته وقيامته المجيدة.
إن دخول يسوع المسيح عالم الخلود المجيد هو ثمرة تكميله لرسالته الخلاصية على الأرض، كما قال في صلاته إلى أبيه السماوي في ختام حياته الأرضية :
“ إني قد مجدتك في الأرض فأتممتُ العمل الذي وكّلتَ إليَّ أن أعمله، فمجّدني الآن عندك يا أبتِ بما كان لي من المجد عندك، قبل أن يكون العالم، أظهرتَ آسمك للناس الذين وهبتهم لي…. إن الكلام الذي بلّغتنيه بلغتهم إياه، فقبلوه وعرفوا حقًا. إني من لدنك خرجتُ وآمنوا بأنك أنت أرسلتني… ” (يوحنا 4/17-10).
هذا هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى الخلود السعيد، الذي منحه أمامنا يسوع المسيح ؛ علينا الاقتداء بيسوع، أي أن نكمل إرادة الله في حياتنا ونقوم بالأعمال الصالحة التي كلفنا القيام بها، وهذه الأعمال الصالحة هي التي ستدخلنا عالم الخلود السعيد.
(1) ايشوعبوخت، كتاب الاحكام الكنسية ص 42-45