القراءات الكتابية الطقسية

وكان لجماعة المؤمنين نفسٌ واحدة ورأيٌ واحدٌ (46)

وكان لجماعة المؤمنين نفسٌ واحدة ورأيٌ واحدٌ
الاب باسل سليم يلدو
عيد مار توما الرسول
(القراءة الثانية)
وكان لجُمهور الناس الذين كانوا قد آمنوا نفسٌ واحِدةٌ ورايٌ واحِدٌ، ولم يكن أحدٌ يقولُ عن الأموالِ التي يملِكُها انها خاصة بهِ، بل كان كلُّ شيءٍ مشتركًا بينهم ؛ وبقوةٍ عظيمةٍ كان الرُسلُ يؤدُون الشهادةَ بقيامةِ المسيح، وكانت مع جميعِهم نِعمَةٌ عظيمـةٌ ؛ فلم يكنُ فيهـم محتاجٌ، لأن كل الذين كانوا يملِكون ضِياعًا أو بيوتًا كانـوا يَبيعونها، ويأتُون بأثمـانِ المبيعاتِ ؛ ويضعونها عند أقدامِ الرسل. فيوزعُ لكلِ واحدٍ على حسبِ احتياجهِ.

. التحليل الكتابي – البيبلي
إن ملخص نص أعمـال الرسـل (32/4-36)، يمهد لنبذة وجيـزة عن برنابا (أع 36/4-37)، ولحادثة حنينيا وسفّيرة (أع 1/5-11). والموضوع الرئيسي لهذا النص الصغير هو مقاسمة الأموال والأملاك والعيش بمحبة وإخاء.
لقد كانت هذه المقاسـمة طوعية (أع 4/5)، ولم تكن مفروضة كما في قمران، ومن هنا نرى أنها لم تكن عامّة، على حدّ ما ورد في (أع 32/4، 34).
نرى في (أع 32/4)، بأن حياة الجماعة تشدّد على الوحدة بين تلاميذ يسـوع : ” نفسٌ واحدةٌ ورأيٌ واحدٌ “، يعني اتفاق تام حتى في الأمور المادية. فهذا التعبير عن الوحدة هو بمقاسمتهم ما يملكون من خيرات لأجل عيش الملكوت بحسب الزمان والمكان.
كما نجد عبـارة مهِمـة في هذا النص : ” وبقوةٍ عظيمةٍ كان الرُسلُ يؤدّون الشـهادةَ بقيامـةِ المسـيح وكانت مـع جميعهم نِعمَـةٌ عظيمةٌ “ (أع 33/4)، من المـرجـح ان ” القـوة العظيمـة “ ليسـت قـوة الرسـل (راجع أع 12/3). بل قوة الله الذي يجري الآيات والأعاجيب (راجع أع 2/3)، كما أن ” النِعمَـة الوافرة “ ليسـت نِعمَة بشـرية، بل نِعمَة الله التي تؤيّـد كرازة الرسل (أع 30/4).
2. الإطار الليتورجي
* علاقة هذه الرسالة بنصوص الصلاة الفرضية :
كثيرًا ما تتغنى الليتورجيا المشـرقية – (الكلدانية – الآثورية) بمجد المسـيح وانتصاره على الموت الذي هو مفتاح الرجاء وهو الإمكانية المتاحة أمام كل من سقط ومات ليقوم من جديد، لأن من مـات لأجله وقام يريده أن يقوم، مهما كان هذا الإنسان، فهو مدعو للمشاركة في هذا النصر. حول هذه الفكرة تدور ليتورجيا عيد مار توما، حيث الكثير من العناصر التي تتماسك مع بعضها مستقاة بصورة خاصة من القراءات الطقسية لهذا العيد.
عندما أراد يسوع الذهاب لإقامة لعازار من بين الأموات إذ كان هناك التردد والشـك بين التلاميذ، أتى تصريح توما قائلاً : ” تعالوا نذهب نحن أيضًا ونموت معه “ (يو 16/11). لذا تجاوب صلاة الليل بتراتيلها صدى قول توما هذا : ” فإذا كنا حقًا تلاميذ هـذا الرجل، نذهـب نحن أيضًا ونموت معـه كما يتطلب الحب الكامل من الذي يحب بإخلاص “ (كتاب الحوذرا – الجزء الثالث، ص475).
إن الشـخص الذي سُمّر وطُعن بالرمح، نتيجة لحبه وصـلَ إلى هذا الوضع، لذلك توما بالحب نفسه الذي به أفصح عن استعداده للذهاب والموت مع يسوع، الآن يريد أن يتطابق مع الشخص عينِه وبالحب نفسـه. هنا تأتي عظمـة اللقاء حيث يصرح توما قائلا : ” ربّـي وإلهـي “. أي إن القائم من بين الأموات قد أصبح محور حياته كلها، فالرب هـو السـيد، ومن هنا تأتي انطلاقة تومـا نحو الكرازة بالانجيل، من بعد اللقاء الحقيقي. لذلك تُرتّل إحدى تراتيل الليل لهذا العيد قائلة : ” الرسـول المختار توما، مناصر الإيمان، لم يشـأ أن يعلن الكرازة إلى أن جسّ جنب ربّنـا واعترف : أنت ربّـي وإلهـي، لتكن صلاته سـورًا لنا “ (الحوذرا – الجزء الثالث، ص474).
الشك الذي يثيره توما يقودنا إلى أن نشـك في طريقة تعاملنا مع إيماننا، أي أنْ نصل إلى ذلك اللقاء الحقيقي مع يسوع، اللقاء الذي يطفو فوق كل شك وريبة، الذي هو فرح الإيمان والثبات به، مهما اشتدت وطأة الأمر وقساوة الحياة، حيث يبقى الثبات قائمًا على اعترافنا بربوبية يسوع على حياتنا. ولهذا يقول أحد أسطر صلاة الصباح لهذا العيد : ” مبارك من برسـوله فتح الباب للمؤمنين كي لا يتشككوا. وبرؤيته وجسّه جسدَ المسـيح ثبّتنا كي نعترف بربنـا على مثاله “ (الحوذرا – الجزء الثالث، ص479).
* علاقة هذا النص مع القراءات الكتابية الأخرى لهذا الأحد :
نرى في القراءة الأولى من سفر اشعيا (اشعيا 4/55-13)، بأن الله كان أمينًا في وعده مع شـعب إسرائيل، ولكن بني إسرائيل لم ينفّذوا نصيبهم من العهد بإطاعة الله والإبتعاد عن الأوثان، ومع ذلك كان الله على اسـتعداد أن يجدد عهده مـرة ثانية، فهو إله غفور، وقريب من شعبه، فليس من خطة الله أن يبتعد عن شعبه، ولهذا أرسـل الله ابنه الوحيد ليكون معهم وبينهم، وقد فداهم بموته وقيامته، لكي يؤمنوا به. وهذا ما عبّر عنه مار توما الرسول.
وفي رسـالة مار بولس الأولـى إلى أهـل قورنثية (1 قور 1/15-19)، يتكلـم مار بولس في البداية عن قيامة المسيح وظهوره للرسل الإثني عشر، ثم لأكثر من 500 أخ معًا، ثم ظهوره ليعقوب، ولجميع الرسل، وفي النهاية ظهوره لمار بولس نفسه الذي بشّـر بقيامة المسـيح طوال حياته. بعد ذلك يتحدث عن قيامة الأموات ويربطها بقيامـة يسـوع، وكيف انها النـواة الأسـاسية لقيامـة الموتى المؤمنين.
أما إنجيل يوحنا (يو 19/20-31)، فيذكر شخصية مار توما الرسول في موقفَين متناظرين حول حدث موت يسـوع وحدث قيامتـه، موقفين فيهمـا تدخل هـذه الشخصية التي تستحق الوقفة والتأمل، لأنهما ليسا موقفي توما فقط، لكنهما موقفا كلِّ من يريد أن يتبع المسيح. الموقف الأول هو ذلك المذكور في (يوحنا 1/11-16). هذا التشجيع يأتي كقرار وتصميم وسط الشك والتردد، انها التِباعة الحقيقية، والتي تقوم على رباط الحب الحقيقي بين توما ويسوع، يعني بيننا وبين يسوع، كوننا تلاميذه أيضًا.
والموقف الثاني هو أن الحب الذي يبديه تومـا لا يلبث صامتًا أو جامدًا، بل متلهفًا للإرتقاء إلى النبع نفسه، فهو قد حرّض التلاميذ للذهاب والموت مع يسوع والآن يعلن له بأن يسـوع قد قـام من بين الأموات. لا يكفي الترديد أو تصديق الحقيقة بدون تلك الخبرة، خبرة اللقاء الحقيقي، لذلك يضع توما خبر الحقيقة على المحك والشك، عكس ما فعل قبلاً عندما شجّع الآخرين لاجتياز التردد، لذلك شكّه يوصله ليس إلى التأكد اليقيني من الحقيقة على أُسس المعقولية، ولكن إلى اللقاء الحقيقي مع حقيقة يسوع القائم من بين الأموات.
3. رسالة هذا النص إلى عالمنا المعاصر (تأوين)
لقد تمكن مؤمنو الكنيسـة الأولى من أن يتشـاركوا في ما لديهم من مقتنيات وممتلكات، وذلك نتيجة للوحدة الروحية التي أوجدها عمل الروح القدس في حياة المؤمنين ومن خلالهم. وقد تضمّن هذا الأمر مشاركة طوعية في الممتلكات على قدر الإحتياج، كما انه لم يكن شرطًا لعضوية الكنيسة.
لقد جذبت وحدة المؤمنين الأوائل الآخرين إليهم، وهـذا ما هـو مطلوب منا اليوم. أن نكـون يدًا واحدة وقلبًـا واحدًا ونفسًـا واحدة ! أكيد إن الاختلاف في الرأي بين البشر ضرورة حتمية، ويمكن أن تكون مفيدة لو عرفنا كيف نطرحها، إلا أن الوحدة الروحية أسـاسية وجوهرية : ففيها الالتزام والوفاء والمحبة (محبة الله والقريب). وبـدون هذه الوحـدة الروحية، ما كانت الكنيسـة لتستمر طـوال هذه السنين.
نرى في هذا النص انه لم يكن ولا واحد، من هؤلاء المسيحيين، يشعر ان ما لديه مُلك خاص به، وبذلك أمكنهـم ان يعطوا الآخرين ويتشـاركوا في ما بينهم، طاردين الفقر من بينهم. ولم يكونوا يتركون أحدًا محتاجًا. يا ترى كم واحدًا منا اليوم يسلك هذا السلوك ؟
يجب أن نعرف أن كل ما لدينا هو من عند الله، وأننا نشترك في ما هو ملك الله فقط.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى