الافتتاحية
البطريرك اب ورئيس العدد (73)
البطريـرك أَبٌ ورئـيـس
المقدمة
بمناسبة إنتخاب غبطة أَبينا مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريركًا على الكنيسة الكلدانية بتاريخ 2013/1/31، خلال السينودس الذي عقده مطارنة الكنيسة الكلدانية في روما أثناء الأيام من 28 إلى 31 كانون الأول 2013، نود أن نسلط بعض الضوء على مهام البطريرك، نظرًا للمكانة الأولى التي يتبؤها البطريرك في كنيستنا الكلدانية وفي سائر الكنائس الشرقية، وجوابًا عن تساؤلات وردتنا من قراء مجلة البطريركية الكلدانية ” نجم المشرق “.
تأسيس بطريركية المشرق (الكلدانية – الآثورية)
إنطلقت بشارة الإنجيل من أورشليم إلى أنحاء عديدة من العالم بعد حلول الروح القدس على الرسل، فوصلت إلى بلاد الرافدين بواسطة القديس توما الرسول أحد الإثني عشر رسولاً ؛ وبواسطة مار أدّي أحد الإثنين والسبعين تلميذًا، الذي انطلق إلى الرها وشفى ملكها أبجر الخامس أوكاما وقبل سكان عاصمته الإيمان المسيحي، وبواسطة تلميذه مار ماري الذي مدّ تبشيره إلى قلب العاصمة المدائن ” سلوقيا وطيسفون ” وإذ نال حظوة لدى أمير عاصمة الفرثيين، الذي وهبه قطعة أرض في منطقة كوخي (الأكواخ)، في ضاحية المدينة، فشيد هناك الكنيسة ؛ هكذا دخلت المسيحية في بلاد بين النهرين منذ القرن الميلادي الأول.
كان الملوك الفرثيون متسامحين، يتقبلون وجود مختلف الأديان في ديارهم، لذا انتشرت المسيحية في أهم المدن ؛ وتمكن خلفاء مار ماري من تنظيم عدد من الأبرشيات في معظم المدن الرئيسية خلال القرون الأربع الأولى.
كانت هذه الأبرشيات ترتبط فيما بينها برباط العقيدة المسيحية وبوثاق المحبة الإنجيلية.
سرعان ما شرع مطارنة هذه الأبرشيات يشعرون بحاجة إلى تنظيم أبرشياتهم في كنيسة واحدة وتحت رئاسة كنسية واحدة.
برزت أهمية كنيسة المدائن، عاصمة الساسانيين، تدريجيًا بين سائر الأبرشيات، وبرز دور مطرانها بين سائر المطارنة، فعقد أساقفة البلاد مجمعًا في هذه المدينة عام 410 م وانتخبوا مطرانها مار إسحق رئيسًا أعلى لكنيسة بلاد الرافدين، وتبنّى لقب ” الجاثليق ” أي الرئيس العام والشامل، كما ورد في القانون 12 من هذا المجمع، فيما يأتي نص ترجمته :
” في الإكرام الذي يليق ويحق للجاثليق الجالس على كرسي سلوقية وطيسفون :
لقد قبلنا جميعًا بمحض إرادتنا… نحن أساقفة بلاد المشرق بأسرها، ومن يأتي بعدنا، أن نطيع الأسقف الجاثليق، رئيس الأساقفة المطارين، الذي في سلوقية وطيسفون، حتى مجيء المسيح، وذلك في جميع الفرائض التي يأمرنا بها.
هكذا بشأن أي أسقف يجلس على كرسي كوخي العظيم هذا “(1)
وفي القانـون 21 مـن مجمع مـار إسحق هـذا لسنة 410 م أعلن المطارين ما يأتي :
” أما الكرسي الأول والرئيس فهو (كرسي) سلوقية وطيسفون والأسقف الجالس عليه هو المطران (المطرا فوليط) الكبير، رئيس الأساقفة أجمعين “(2).
توالى خلفاء هذا البطريرك في إدارة كنيسة المشرق إلى يومنا هذا، حتى وصلت إلى غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو.
البطريرك أَبٌ ورئيس
إن صفتي ” أب ورئيس ” لكل أَبناء كنيسة المشرق أُطلقت على بطريرك كنيسة المشرق منذ قديم الزمان.
يقول مجمع مار داديشوع سنة 424 م ما يأتي :
” الرئاسة في الكنيسة “
(وجّه آباء هذا المجمع كلامهم إلى البطريرك مار داديشوع قائلين له) :
فإنه باتفاق القديسين والمعترفين ورؤساء الأساقفة وبمشورتهم، والمعلمين والمتبحرين بأعمالهم والشهداء بآلامهم، والمكللين بشهادة المسيح ربهم، أُعطيت هذه الموهبة البطريركية للكرسي المبارك هذا في كنيسة كوخي الكبرى، وتأيدتَ أَبًا ورئيسًا ومدبرًا على مسيحيي المشرق جمعاء “(3).
استمرت الكنيسة تطلق لقبي ” أب ورئيس ” على البطريرك إلى يومنا هذا ؛ يذكر القانون 55 من ” مجموعة الكنائس الشرقية ” ما يأتي :
” تقوم المؤسسة البطريريكة في الكنيسة بحسب تقليد كنسي موغل في القدم، إعترفت به المجامع المسكونية الأولى، أن يُخص بإكرام فريد بطاركة الكنائس الشرقية الذين يسوس كل منهم كنيسة البطريركية بمثابة أب ورئيس “.
إن أبوّة البطريرك تشمل المؤمنين كافة، خاصة الذين هم بحاجة إلى حنانه الأبوي أكثر من غيرهم، أعني الفقراء والمرضى والغرباء والسجناء.
بالنسبة للفقراء، يجب أن نتذكر أن الله سيحاسب الجميع، كم بالأحرى الرئاسة على شريعة المحبة بقوله ” كنتُ جائعًا فأطعمتموني… كل ما صنعتموه بأخوتي هؤلاء الصغار فبي صنعتموه “ (متى 35/25-40).
بالنسبة للمرضى، من الضرورة أن تشمل الزيارات الراعوية تفقد المرضى والمقعدين والمعوقين في المستشفيات وفي دور العناية بغية تشجيعهم وتسليتهم متذكريـن قـول الـرب الـذي سيقـولـه لنـا فـي غـروب حياتنا ” كنتُ مريضًا فزرتموني… “ (متى 36/25).
ورعاية البطريرك الأبوية يجب أن تشمل السجناء أيضًا، فنكون على يقين أنه لا يوجد أي إنسان، مهما بلغ به الخطأ، غير قابل للإصلاح، متذكرين قول الرب لنا يوم القيامة ” كنت محبوسًا فزرتموني… كل ما صنعتموه بإخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه “ (متى 36/25).
البطريرك راعٍ أَعلى
يستعرض غبطة البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي نشاط البطاركة الراعوية منذ تأسيس البطريركية وعبر القرون في كتابه ” المؤسسة البطريركية ” قائلاً :
” كان البطريرك على وعي بحقه كراعٍٍ أَعلى، وبمسؤوليته كرئيس ومدبر لكل الكنيسة، لذلك كان يقوم بزيارات راعوية للولايات المطرانية وللأبرشيات، للإطلاع على حال المؤمنين أولاً، ولحل المشاكل ولوضع السلام والمصالحة حينما يتوجب ذلك، ولكي يلاحظ خلال زياراته مدى العمل بالقوانين الكنسية وتطبيق الأوامر المجمعية والتعليمات الأبوية في سائر أنحاء الولايات والأبرشيات، ويطلع عن كثب على حياة المؤمنين الروحية “(4).
تُجسد مهمة البطريرك عمل المسيح الراعي، الذي يجمع المسيحيين في رعية واحدة، في شعب واحد لله، بحيث تصغي الرعية كلها لصوت المسيح ” لتصير رعية واحدة لراعٍ واحد ” (يوحنا 16/10).
ينطبق على البطريرك قول المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في قراره ” في مهمة الأساقفة الرعوية ” الآتي :
” ليكن الأساقفة في وسط شعبهم كالذين يخدمون وهم يمارسون مهمة الأب والراعي، وليكونوا رعاة صالحين يعرفون نعاجهم… وهم يمارسون مهمة الأب والراعي، وليكونوا آباء – رعاة حقيقيين يتسامون بروح المحبة المخلصة للجميع… عليهم أن يجمعوا كل رعيتهم تلك الكبيرة، وينعشوها بحيث يدرك الكل واجباتهم ويعيشون في شركة من المحبة ويعملون فيها ” (الرقم 16).
البطريرك معلّم
منذ قديم الزمان كان البطريرك يعتبر المعلم الأول الذي من مهامه تزويد المطارنة والمؤمنين بالتعاليم الإلهية والقوانين الكنسية.
ففي المجمع المنعقد سنة 420 م طلب السادة المطارنة المجتمعون من الجاثليق مار يابالاها أن يقوم تجاههم بمهمة المعلم الأول قائلين له ما يأتي :
” تعطي لكل واحد منا، يا سيدنا وأبانا الجليل، يا رئيسنا ومدبرنا… فمن يديك نتقبل التقليد المتواتر والقانون الصحيح الآتي من آبائنا، الذي نتأمل فيه نهارًا وليلاً… وفضلك هذا نحونا يجعلنا نعترف من أعماق نفوسنا… بغيرتك السامية أمام إلهنا المسجود له، وبفضل إهتمامك تقود أرجلنا للسير في الطريق المستقيمة، وتحت إدارة كلمتك نجد الوصايا الوافية والسنن المنفذة لآبائنا الأجلاء الأساقفة الطوباويين…
أجاب مار يابالاها الأساقفة قائلاً : ” لما كانت هذه فكرتكم الصحيحة والعادلة، فإني الأول مستعد لتحقيق هذه الأمور، وأنتم بدوركم كملوا أفكاركم ونيتكم الحسنة، لأن إلهنا المسجود له… يهتم بالتأكيد بحسن تطبيق القوانين في بيعته، وأن يلتزم رعاة قطيعه بالقداسة والعفة والسهر…(5).
كان الآباء الجثالقة يلحون على رعاياهم لينكبّوا على دراسة الكتب المقدسة وتفسيرها في المدارس المخصصة لهذه الغاية.
لقد انشأ المسيح الكنيسة أولاً عبر الكرازة بالإنجيل، وأرسل تلاميذه للغرض نفسه، فالإيمان بحاجة إلى التبشير بالإنجيل كما يقول القديس بولس : ” كيف يؤمنون بالمسيح ولم يسمعـوا بـه ؟ وكيف يسمعـون بـه بلا مبشـر ؟ و كيف يبشرون إن لم يُرسلوا “ ؟. (رومة 14/10-15).
فالإيمان إذن ناتج من البشارة، والبشارة أمر بها يسوع، لذا فان أولى مهمات البطريرك هي التبشير بالإنجيل وإيصال كلمة الله إلى المؤمنين عبر وسائل راعوية وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.
عيد القيامة المجيد
الأحد 31 آذار 2013
(1) يوسف حبي أ، مجامع كنيسـة المشرق، منشـورات كليـة اللاهوت الحبريـة، جامعـة الروح القدس – الكسليك – لبنان 1999، ص 71.
(2) يوسف حبي، المصدر ذاته ص 78.
(3) المصدر ذاته، ص 122.
(4) عمانوئيل دلي (المطران) المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق، بغداد 1994، ص 233.
(5) عمانوئيل دلي، المصدر السابق ص 247.
المقدمة
بمناسبة إنتخاب غبطة أَبينا مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريركًا على الكنيسة الكلدانية بتاريخ 2013/1/31، خلال السينودس الذي عقده مطارنة الكنيسة الكلدانية في روما أثناء الأيام من 28 إلى 31 كانون الأول 2013، نود أن نسلط بعض الضوء على مهام البطريرك، نظرًا للمكانة الأولى التي يتبؤها البطريرك في كنيستنا الكلدانية وفي سائر الكنائس الشرقية، وجوابًا عن تساؤلات وردتنا من قراء مجلة البطريركية الكلدانية ” نجم المشرق “.
تأسيس بطريركية المشرق (الكلدانية – الآثورية)
إنطلقت بشارة الإنجيل من أورشليم إلى أنحاء عديدة من العالم بعد حلول الروح القدس على الرسل، فوصلت إلى بلاد الرافدين بواسطة القديس توما الرسول أحد الإثني عشر رسولاً ؛ وبواسطة مار أدّي أحد الإثنين والسبعين تلميذًا، الذي انطلق إلى الرها وشفى ملكها أبجر الخامس أوكاما وقبل سكان عاصمته الإيمان المسيحي، وبواسطة تلميذه مار ماري الذي مدّ تبشيره إلى قلب العاصمة المدائن ” سلوقيا وطيسفون ” وإذ نال حظوة لدى أمير عاصمة الفرثيين، الذي وهبه قطعة أرض في منطقة كوخي (الأكواخ)، في ضاحية المدينة، فشيد هناك الكنيسة ؛ هكذا دخلت المسيحية في بلاد بين النهرين منذ القرن الميلادي الأول.
كان الملوك الفرثيون متسامحين، يتقبلون وجود مختلف الأديان في ديارهم، لذا انتشرت المسيحية في أهم المدن ؛ وتمكن خلفاء مار ماري من تنظيم عدد من الأبرشيات في معظم المدن الرئيسية خلال القرون الأربع الأولى.
كانت هذه الأبرشيات ترتبط فيما بينها برباط العقيدة المسيحية وبوثاق المحبة الإنجيلية.
سرعان ما شرع مطارنة هذه الأبرشيات يشعرون بحاجة إلى تنظيم أبرشياتهم في كنيسة واحدة وتحت رئاسة كنسية واحدة.
برزت أهمية كنيسة المدائن، عاصمة الساسانيين، تدريجيًا بين سائر الأبرشيات، وبرز دور مطرانها بين سائر المطارنة، فعقد أساقفة البلاد مجمعًا في هذه المدينة عام 410 م وانتخبوا مطرانها مار إسحق رئيسًا أعلى لكنيسة بلاد الرافدين، وتبنّى لقب ” الجاثليق ” أي الرئيس العام والشامل، كما ورد في القانون 12 من هذا المجمع، فيما يأتي نص ترجمته :
” في الإكرام الذي يليق ويحق للجاثليق الجالس على كرسي سلوقية وطيسفون :
لقد قبلنا جميعًا بمحض إرادتنا… نحن أساقفة بلاد المشرق بأسرها، ومن يأتي بعدنا، أن نطيع الأسقف الجاثليق، رئيس الأساقفة المطارين، الذي في سلوقية وطيسفون، حتى مجيء المسيح، وذلك في جميع الفرائض التي يأمرنا بها.
هكذا بشأن أي أسقف يجلس على كرسي كوخي العظيم هذا “(1)
وفي القانـون 21 مـن مجمع مـار إسحق هـذا لسنة 410 م أعلن المطارين ما يأتي :
” أما الكرسي الأول والرئيس فهو (كرسي) سلوقية وطيسفون والأسقف الجالس عليه هو المطران (المطرا فوليط) الكبير، رئيس الأساقفة أجمعين “(2).
توالى خلفاء هذا البطريرك في إدارة كنيسة المشرق إلى يومنا هذا، حتى وصلت إلى غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو.
البطريرك أَبٌ ورئيس
إن صفتي ” أب ورئيس ” لكل أَبناء كنيسة المشرق أُطلقت على بطريرك كنيسة المشرق منذ قديم الزمان.
يقول مجمع مار داديشوع سنة 424 م ما يأتي :
” الرئاسة في الكنيسة “
(وجّه آباء هذا المجمع كلامهم إلى البطريرك مار داديشوع قائلين له) :
فإنه باتفاق القديسين والمعترفين ورؤساء الأساقفة وبمشورتهم، والمعلمين والمتبحرين بأعمالهم والشهداء بآلامهم، والمكللين بشهادة المسيح ربهم، أُعطيت هذه الموهبة البطريركية للكرسي المبارك هذا في كنيسة كوخي الكبرى، وتأيدتَ أَبًا ورئيسًا ومدبرًا على مسيحيي المشرق جمعاء “(3).
استمرت الكنيسة تطلق لقبي ” أب ورئيس ” على البطريرك إلى يومنا هذا ؛ يذكر القانون 55 من ” مجموعة الكنائس الشرقية ” ما يأتي :
” تقوم المؤسسة البطريريكة في الكنيسة بحسب تقليد كنسي موغل في القدم، إعترفت به المجامع المسكونية الأولى، أن يُخص بإكرام فريد بطاركة الكنائس الشرقية الذين يسوس كل منهم كنيسة البطريركية بمثابة أب ورئيس “.
إن أبوّة البطريرك تشمل المؤمنين كافة، خاصة الذين هم بحاجة إلى حنانه الأبوي أكثر من غيرهم، أعني الفقراء والمرضى والغرباء والسجناء.
بالنسبة للفقراء، يجب أن نتذكر أن الله سيحاسب الجميع، كم بالأحرى الرئاسة على شريعة المحبة بقوله ” كنتُ جائعًا فأطعمتموني… كل ما صنعتموه بأخوتي هؤلاء الصغار فبي صنعتموه “ (متى 35/25-40).
بالنسبة للمرضى، من الضرورة أن تشمل الزيارات الراعوية تفقد المرضى والمقعدين والمعوقين في المستشفيات وفي دور العناية بغية تشجيعهم وتسليتهم متذكريـن قـول الـرب الـذي سيقـولـه لنـا فـي غـروب حياتنا ” كنتُ مريضًا فزرتموني… “ (متى 36/25).
ورعاية البطريرك الأبوية يجب أن تشمل السجناء أيضًا، فنكون على يقين أنه لا يوجد أي إنسان، مهما بلغ به الخطأ، غير قابل للإصلاح، متذكرين قول الرب لنا يوم القيامة ” كنت محبوسًا فزرتموني… كل ما صنعتموه بإخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه “ (متى 36/25).
البطريرك راعٍ أَعلى
يستعرض غبطة البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي نشاط البطاركة الراعوية منذ تأسيس البطريركية وعبر القرون في كتابه ” المؤسسة البطريركية ” قائلاً :
” كان البطريرك على وعي بحقه كراعٍٍ أَعلى، وبمسؤوليته كرئيس ومدبر لكل الكنيسة، لذلك كان يقوم بزيارات راعوية للولايات المطرانية وللأبرشيات، للإطلاع على حال المؤمنين أولاً، ولحل المشاكل ولوضع السلام والمصالحة حينما يتوجب ذلك، ولكي يلاحظ خلال زياراته مدى العمل بالقوانين الكنسية وتطبيق الأوامر المجمعية والتعليمات الأبوية في سائر أنحاء الولايات والأبرشيات، ويطلع عن كثب على حياة المؤمنين الروحية “(4).
تُجسد مهمة البطريرك عمل المسيح الراعي، الذي يجمع المسيحيين في رعية واحدة، في شعب واحد لله، بحيث تصغي الرعية كلها لصوت المسيح ” لتصير رعية واحدة لراعٍ واحد ” (يوحنا 16/10).
ينطبق على البطريرك قول المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في قراره ” في مهمة الأساقفة الرعوية ” الآتي :
” ليكن الأساقفة في وسط شعبهم كالذين يخدمون وهم يمارسون مهمة الأب والراعي، وليكونوا رعاة صالحين يعرفون نعاجهم… وهم يمارسون مهمة الأب والراعي، وليكونوا آباء – رعاة حقيقيين يتسامون بروح المحبة المخلصة للجميع… عليهم أن يجمعوا كل رعيتهم تلك الكبيرة، وينعشوها بحيث يدرك الكل واجباتهم ويعيشون في شركة من المحبة ويعملون فيها ” (الرقم 16).
البطريرك معلّم
منذ قديم الزمان كان البطريرك يعتبر المعلم الأول الذي من مهامه تزويد المطارنة والمؤمنين بالتعاليم الإلهية والقوانين الكنسية.
ففي المجمع المنعقد سنة 420 م طلب السادة المطارنة المجتمعون من الجاثليق مار يابالاها أن يقوم تجاههم بمهمة المعلم الأول قائلين له ما يأتي :
” تعطي لكل واحد منا، يا سيدنا وأبانا الجليل، يا رئيسنا ومدبرنا… فمن يديك نتقبل التقليد المتواتر والقانون الصحيح الآتي من آبائنا، الذي نتأمل فيه نهارًا وليلاً… وفضلك هذا نحونا يجعلنا نعترف من أعماق نفوسنا… بغيرتك السامية أمام إلهنا المسجود له، وبفضل إهتمامك تقود أرجلنا للسير في الطريق المستقيمة، وتحت إدارة كلمتك نجد الوصايا الوافية والسنن المنفذة لآبائنا الأجلاء الأساقفة الطوباويين…
أجاب مار يابالاها الأساقفة قائلاً : ” لما كانت هذه فكرتكم الصحيحة والعادلة، فإني الأول مستعد لتحقيق هذه الأمور، وأنتم بدوركم كملوا أفكاركم ونيتكم الحسنة، لأن إلهنا المسجود له… يهتم بالتأكيد بحسن تطبيق القوانين في بيعته، وأن يلتزم رعاة قطيعه بالقداسة والعفة والسهر…(5).
كان الآباء الجثالقة يلحون على رعاياهم لينكبّوا على دراسة الكتب المقدسة وتفسيرها في المدارس المخصصة لهذه الغاية.
لقد انشأ المسيح الكنيسة أولاً عبر الكرازة بالإنجيل، وأرسل تلاميذه للغرض نفسه، فالإيمان بحاجة إلى التبشير بالإنجيل كما يقول القديس بولس : ” كيف يؤمنون بالمسيح ولم يسمعـوا بـه ؟ وكيف يسمعـون بـه بلا مبشـر ؟ و كيف يبشرون إن لم يُرسلوا “ ؟. (رومة 14/10-15).
فالإيمان إذن ناتج من البشارة، والبشارة أمر بها يسوع، لذا فان أولى مهمات البطريرك هي التبشير بالإنجيل وإيصال كلمة الله إلى المؤمنين عبر وسائل راعوية وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.
عيد القيامة المجيد
الأحد 31 آذار 2013
(1) يوسف حبي أ، مجامع كنيسـة المشرق، منشـورات كليـة اللاهوت الحبريـة، جامعـة الروح القدس – الكسليك – لبنان 1999، ص 71.
(2) يوسف حبي، المصدر ذاته ص 78.
(3) المصدر ذاته، ص 122.
(4) عمانوئيل دلي (المطران) المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق، بغداد 1994، ص 233.
(5) عمانوئيل دلي، المصدر السابق ص 247.