القراءات الكتابية الطقسية

إنجيل الأحد الأول بعد الميلاد (72)

إنجيل الأحد الأول بعد الميلاد
الاب زيد عادل حبابة
” ولّما ولِد يسوعُ في بيتَ لحمِ اليهوديةِ في أيام هيرودُسَ الملكِ إذا مجوسٌ وافَوا من المشرقِ إلى أورشليم، قائلين : أين هو المولودُ ملكُ اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرقِ فوافينا لنسجُدَ لهُ ؛ فلما سمع هيرودس الملك اضطرب هو وجميعُ أورشليم معهُ فجمع كل رؤساءِ الكهنةِ وكتبة الشعبِ واستخبرهم أين يولدُ المسيح، فقالوا : في بيت لحمِ اليهوديةِ لأنه هكذا مكتوبٌ بالنبي : وأنت يا بيتَ لحمِ يهوذا لستِ الصغيرة في ملوك يهوذا لأنه منكِ يخرج الملك الذي يرعى شعبي إسرائيل، حينئذٍ دعا هيرودس المجوس سرًا وتحقق منهم في أي زمانٍ ظهر لهم النجم، وأرسلهم إلى بيت لحم قائلاً : إذهبوا وابحثوا عن الصبي باجتهادٍ وإذا وجدتموهُ فتعالوا أخبروني لأمضي أنا أيضًا وأسجد له، فلما سمعوا من الملك ذهبوا فإذا النجمُ الذي رأوه في المشرقِِ يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرِحوا فرحًا عظيمًا جدًا، ودخلوا إلى البيت فوجدوا الصبي مع مريم أمهِ. فخروا ساجدين لهُ وفتحوا كنوزهم وقدموا له قرابين ذهبًا ومرًا ولُبانًا، ثم أوحي إليهم في الحلُمِ ألاَّ يرجعوا إلى هيرودُسَ ففي طريقٍ أخرى رجعوا إلى كورتهم “
ماذا يقول النص في ذاته ؟
يكتب متى إنجيله إلى جماعته المسيحية ذات الأصول اليهودية التي تعرف جيدًا الكتب المقدسة ؛ غايته أن يقوي إيمانها بالمسيح يسوع الذي هو تحقيق لوعود الله في العهد القديم. في النص الذي نحن بصدده، زيارة المجوس، يعالج متى موضوع العلاقة بيسوع من حيث القبول والرفض، فيبين كيف أن الشعوب الوثنية البعيدة تنتبه إلى العلامات وتؤمن به ؛ بينما يرفضه أغلبية اليهود القريبين منه، من رؤساء الكهنة وكتبة الشعـب، على الرغـم من معرفتهـم مكان ولادتـه من الكتـب والأنبيـاء (متى 5/2-6).
إن موضوع رفض المسيح من معظم شعب إسرائيل وقبوله من الأمم الوثنية واضح في إنجيل متى كله، من الفصل الأول حتى الفصل الأخير منه. ويكفي أن نلقي نظرة على مَثل الكرّامين القتلة (متى 33/21-46)، ومَثل وليمة الملك (1/22-14)، فكلاهما يظهران كيف أن الملكوت يُؤخذ من شعب إسرائيل ويُسلَّم إلى شعوب أخرى. وتبين لنا خاتمة الإنجيل كيف أن فرح البشارة مقدم لكل من يؤمن من الشعوب (متى19/28).
إن قصّة وصول المجوس الغرباء البعيدين إلى بيت لحم بقيادة النجم، وسؤالهم عن المولود ملك اليهود (متى 2/2)، هو تحقيق لما تكلم عليه الأنبياء في مجيء المسيح ؛ ففي مجيء المجوس علاقـة بنبوءة إشعيا : ” فتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ والمُلوكُ في ضِياءِ إِشْراقِك ” (إشعيا 3/60)، عندما ستأتي الأمم إلى حيث النور في أورشليم. والنجم هو تحقيق لنبوءة بلعام : ” يَخرُجُ كَوكَبٌ مِن يَعْقوب ويَقومُ صَولَجانٌ مِن إِسْرائيل ” (عدد 17/24)، حيث ارتبط هذا النجم (الكوكب) بالملك داود الذي رأى فيه اليهود رمزًا للمسيح المنتظر.
وفي مكان ولادة المسيح يجعل متى الإجابة بفم رؤساء الكهنة ومعلمي الشعب ليؤكد معرفتهم بتحقيق كلام الأنبياء : ” في بيت لحمِ اليهوديةِ لأنه هكذا مكتوبٌ بالنبي، وأنتِ يا بيتَ لحمِ يهوذا لستِ الصغيرة في ملوك يهوذا لأنه منكِ يخرج الملك الذي يرعى شعبي إسرائيل ” (متى 5/2-6). يستند متى بهذه الآية إلى نبوءة ميخا (1/5)، رابطًا إياها مع صموئيل الثاني (2/5)، مظهرًا لنا بذلك إرتباط المسيح ببيت داود.
وفي سجود المجوس وتقديمهم الهدايا (متى 11/2)، نلاحظ بأن لها صدى في المزامير ” مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجُزُرِ يَحْمِلُونَ إِلَيْهِ الْهَدَايَا. مُلُوكُ شَبَا وَسَبٍَإ يُقَدِّمُونَ عَطَايَا. يَنْحَنِي أَمَامَهُ جَمِيعُ الْمُلُوكِ. وَتَتَعَبَّدُ لَهُ كُلُّ الأُمَم ِ” (مزمور 10/72-11). أراد متى بكل هذه الإشارات أن يؤكد بأن المولود في بيت لحم اليهودية هو المسيح الذي تكلمت عليه الكتب.
ماذا يقول النص لنا ؟ (التأوين)
إن ولادة يسوع في العالم ودخوله إلى تأريخنا، هو موضوعُ تحدٍّ لنا : فإما أن نبحث عنه ونستدل على حضوره من خلال العلامات (النجم) ونقبله ونؤمن به كالمجوس، أو أن نرفضه كهيرودس.
إن العلامة التي لفتت إنتباه المجوس وقادتهم إلى يسوع كانت النجم، أما نجم رؤساء الكهنة ومعلمي الشعب فقد كان الكتب المقدسة، ولهيرودس كان النجم هو السماع والتأكد من رؤساء الكهنة.
علامات كثيرة في الخليقة يقدر الإنسان من خلالها أن يرى ويتلمَّس حضور الله الذي يكشف عن نفسه، ولكن المأساة تكمن عندما يرى الإنسان تلك العلامات ويبقى على مستوى الرؤية دون أن يتّخذ موقفًا تجاه ما يراه. فالمجوس رأوا النجم وانطلقوا فورًا من أرضهم، على الرغم من عدم معرفتهم الكاملة إلى أين سيقودهم النجم ؛ لكنهم لم يترددوا بإتِّباعه معلّقين كل أشغالهم وإلتزاماتهم الأخرى كي يصلوا إلى المسيح. أما رؤساء الشعب ومعلّموه فلم يكترثوا لعلامات الكتب المقدسة، في حين يخطط هيرودس للتخلص من المولود الجديد. والإنسان الذي يلتقي يسوع لا يمكنه إلا أن يغيِّر طريقه كي يبتعد دومًا عن الشر الذي يتربَّصه، كما فعل المجوس بعد لقائهم بيسوع فقد رجعوا بطريق آخر.
يدعونا هذا النص للإنتباه إلى العلامات والإشارات الكثيرة الموجودة في حياتنا التي تقودنا إلى المسيح، وأهمها الكتاب المقدس، والأسرار والصلاة. وقد تأتينا هذه العلامات أيضًا من كتاب تأملي نقرأه، أو من كرازة نسمعها أو محاضرة أو إرشاد أو شخص نلتقيه في دروب الحياة ؛ فهذه العلامات كلها قد تكون كالنجم بالنسبة إلينا، فإذا تبعناها فستقودنا إلى اللقاء بيسوع كوكبنا المنير.
اليوم لو رأينا علامة تدلّنا على يسوع، فهل سنأخذها بعين الإعتبار ؟ ومع من سنكون ؟ أمع المجوس الذين تركوا بلادهم وضحّوا بوقتهم للبحث عن المولود الجديد وتقديم السجود مع الهدايا له ؟ أم مع رؤساء الكهنة ومعلمي الشريعة نعرف الحقيقة ولكن دون أن نتأثر ونبحث عنها ؟ أم سنكون مع هيرودس، خوفًا على مصالحنا الشخصية ومناصبنا، نحاول أن نطمس الحقيقة مستخدمين كل الوسائل حتى وإن كانت القتل ؟
إن ولادة يسوع تتحقق فينا إن قبلنا أن نرى نجمه كالمجوس من خلال العلامات الكثيرة التي يضعها الله في حياتنا، وأن نقبله بتواضع وسجود، عندها سيولد الإيمان في قلوبنا كالطفل، الذي علينا أن نغذّيه بالصلاة المستمرة وأن نحرُسه ونُحافظ عليه كما فعل يوسف ومريم عندما هربا به إلى مصر، متنبّهين إلى الشر الموجود في حياتنا دومًا (هيرودس) الذي يريد قتل طفل الإيمان. رسالتنا في زمن الميلاد أن نكون بدورنا نجماً يُرشِد الآخرين إلى يسوع.

صلاة من وحي النص
أيها الأب الصالح، أنت تريد الخلاص لكل الشعوب، وأن يتوصل الجميع إلى معرفة الحقيقة، فتكشف عن مجدك في بساطة الظروف وفي الحب العجيب لجميع البشر ؛ ليضيء نورك في ظلام معرفتنا ولامبالاتنا، كي نقدر أن نكتشف حضورك بيننا وفي عالمنا ؛ ضع في مسيرة حياتنا اليومية، علامات منيرة تقودنا إلى إبنك يسوع المسيح، واجعلنا أن نَتَعرَّف إليها بتواضع وأن نفسِّرها باستقامة. إجعلنا يا إلهنا أن نثق بكلامك فنقدر أن نستأنف السير كل يوم للقاء يسوع بفرح عظيم، فنسجد له معترفين، ومقدمين له قرابين : أفكارًا طاهرة وقلوبًا نقية وأعمالاً صالحة، فنغدو علامات حيّة تُرشِد الناس إليه، آمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى